الرئيسية » خطابات الرئيس محمود عباس »

كلمة السيد الرئيس خلال وضعه حجر الأساس لمجمع المحاكم في غزة

10 كانون الأول 2005

كلمة السيد الرئيس خلال وضعه حجر الأساس لمجمع المحاكم في غزة

10-12-2005

بسم الله الرحمن الرحيم "وإذا حكمتم بين الناس أن أحكموا بالعدل" صدق الله العظيم

 

الشعار الأساسي للمحاكم والقضاء والعدل، هو العدل أساس الحكم، أي أنه بدون عدل لا يوجد حكم ولا يوجد ملك ولا توجد سلطة وحتى لا توجد غابة، لأن العدل إذا شاع بين الناس شاع كل شيء حسن، وكل شيء جيد وكل شيء يريح الضمير والبال، إذا كان لدينا محكمة وقضاة قادرون على أن يقولوا كلمة الحق.

 

لقد وضعنا أيدينا على الحقيقة وبطبيعة الحال لابد من مكملات للقضاء حتى يستطيع أن يؤدي مهامه على أكمل وجه، أي أنه لابد أن يكون لنا سلطة تنفيذية، قادرة على تنفيذ القضاء، وقادرة على جلب الجناة والمعتدين والمخالفين والمخربين إلى القضاء، ثم يحكم القضاء بالعدل وتأتي السلطة التنفيذية مرة أخرى لتنفذ هذه القرارات.

 

وهنا نقول، أصبح لدينا مجتمع قادر على أن يضاهي الأمم في كل أنحاء العالم، من هنا نعتبر أن قصر العدل الذي يبنى في هذا المكان سيكون بإذن الله رمزاً للعدالة، رمزاً للمساواة، رمزاً للحرية، رمزاً لكل شيء.

 

كنت دائماً أستعمل مثلاً سمعته عن ونسون تشرشل في الحرب العالمية الثانية حيث إنه كان في عز الحرب يذهب إلى بيته في الظهيرة ويتناول طعام الغذاء، ويتفرج على بعض الأفلام، وينام ولا أحد يمكن أن يزعجه، وفي يوم من الأيام اضطر معاونوه إلى طرق الباب وإيقاظه فقال لهم: ما بالكم قالوا: إن لندن تدمر بالطيران الألماني، والوضع أصبح خطيراً جداً ولا يحتمل، قال: ألهذا توقظوني قالوا: نعم إن الأمر جلل، قال: وماذا عن القضاء؟ قالوا: لهم القضاء يعمل، قال: اتركوني أنام لأن القضاء مادام يعمل لا تهتموا بأي شيء، هذه الأمور كلها نعالجها، وعاد لينام.

 

نحن الآن أيها الأخوة،

 

لا نزعم أن أمننا واستقرارنا مستتب، ولا نزعم أننا بنينا المؤسسات التي تشيع الأمن والأمان والعدالة في الوطن، ولكننا نؤكد أننا عازمون على تحقيق هذا حتى يتمتع كل إنسان بأمنه في بيته وأكله ورزقه وعيشه وعافيته. الأوضاع عندنا لا نقول إنها جيدة، نحن مقبلون على كثير من الأمور، وقمنا ببعض هذه الأمور، وأقول من الأمثال التي حصلت وغيرت وجه الوطن بخاصة الجزء الذي نعيش فيه الآن وهو قطاع غزة، إننا لم نعد نرى مستوطنين في كل القطاع، وهذا من نعم الله، وبفضل معاناة وكفاح شعبنا بدون أدنى تأكيد.

 

كذلك كانوا يريدون أن يحولوا قطاع غزة إلى سجن كبير، والحمد لله وبإصرار لم نقبل هذا، والآن معبر رفح مفتوح للمواطنين في كل يوم، وقد زالت كل أنواع المعاناة والقهر والاضطهاد والتي كانت معروفة، وتمارس على شعبنا. كان المواطن إذا أراد أن يذهب من بيت حانون إلى رفح يأخذ أياماً سواء في الطريق أو عند المعبر، الآن يستطيع أن يذهب من بيت حانون إلى رفح المصرية في نصف ساعة، وهذا من نعم الله، ولكن هل هذا يكفي؟ بالتأكيد هذا غير كافٍ، وبالتالي لابد لنا أن نعمل ونكافح ونستمر في بناء مؤسساتنا.

 

من الأشياء التي نعاني منها مع الأسف الشديد أن الأمن لازال مضطرباً، وبالذات في قطاع غزة، وهذا الأمر لن يستمر ولن نقبل به أن يستمر مهما كانت الظروف، يجب أن يشيع الأمن في البلد، يجب أن تتوقف كل المظاهر المسلحة، إذا كان هناك من لازالوا يمارسون هذه المظاهر أو غيرها من الأعمال فإنهم يعملون ضد شعبهم، نحن توافقنا على تهدئة، توافقنا على هدنة مستمرة، وبالتالي يجب علينا أن نستمر فيها، حتى يستتب الأمن بشكل كامل في الوطن وحتى يشعر الإنسان أنه لم يعد مهدداً، لا للطيران ولا للمدفعية ولا للصورايخ، وكل من يقوم بمثل هذه الأعمال التي تستفز الآخرين وتستفز بالذات إسرائيل فإنه يعمل عملاً غير مسؤول، بل إنه يعمل ضد مصلحة وطنه وضد مصلحة أهله.

 

لقد بدأنا حملة أمنية ناجحة في الضفة الغربية وفي مدن معينة مثل رام الله وبيت لحم وطولكرم وغيرها والآن نابلس والآن الأمور مستتبة بنسبة عالية جداً، حيث اختفت كثير من مظاهر الفلتان، كثير من مظاهر السيارات المسروقة، كثير من مظاهر التهريب وغيره، كثير من مظاهر الأقنعة والمقنعين، أصبح الناس يعيشون بارتياح إلى حد ما لا أقول إن الناس الآن ارتاحوا بنسبة مئة بالمائة، وإنما بدؤوا يرتاحون.

 

هذه الحملات ستطبق في غزة ولا بد أن نبدأ بها وفي أقرب فرصة ممكنة، وفي أقرب وقت ممكن، حتى ننتهي من كل هذه المظاهر، وهنا نريد من كل مواطن أن يعيننا على هذا العمل، حتى نتمكن من أن يستتب الأمن في بلدنا وأن نعيش باستقرار وأمان.

 

نحن الآن مقبلون على انتخابات تشريعية وهذه الانتخابات لأول مرة يشارك بها كل طيف فكري سياسي عقائدي فلسطيني، ونحن نرحب بكل هذه الأطياف دون استثناء، هناك قوائم ودوائر، وكل يريد أن يدخل هنا أو هنا، فأهلاً وسهلاً بكل من يريد أن يشارك في هذه الانتخابات، وكلما اتسعت رقعة المشاركين، كلما عبرنا عن ديمقراطية حقيقية فلسطينية، سبق أن أثبتنا ذلك في الانتخابات السابقة..

 

نريد أن نثبت هذا أيضاً في الخامس والعشرين من الشهر القادم، هناك من يرى أنه لابد من تأجيل الانتخابات لأسباب مختلفة، نقول لن تتأجل الانتخابات وإنما ستكون في وقتها، هناك على ما سمعت كثير من القوائم من أطراف مختلفة تريد أن تنزل وهذه بادرة خير ومؤشر طيب نحن نشجعها ونتمنى للجميع أن يحققوا أمانيهم ورغباتهم والنجاح الذي يصبون إليه..

لذلك نريد من هنا حتى الانتخابات، أن نعمل بكل جد واجتهاد من أجل أن تكون الانتخابات حرة نزيهة شفافة لا خطأ ولا خطايا فيها، ولذلك مطلوب الوعي كل الوعي والمسؤولية كل المسؤولية من الجميع، حتى نثبت للعالم أننا شعب قادر رغم الاحتلال على أن نمارس ديمقراطيتنا..

هناك أمور كثيرة كنت أريد أن أتحدث عنها ولكن المجال ضيق هنا وإنما فقط أقول من هنا من قصر العدل، إن شاء الله ستشيع العدالة والحرية والنظام، ونحن مع القضاة، ونعرف أن القضاة تعرضوا إلى كثير من المآسي في الماضي ولكن من الآن فصاعد نرجو أن يتمتعوا بالحماية الكاملة والحرية الكاملة ليمارسوا أعمالهم بقناعاتهم وضمائرهم بالشكل الذي يرونه مناسباً حتى يشعر كل مواطن أنه آمن في بيته، آمن على حياته، ورزقه آمن على عائلته، آمن على أولاده.

 

والسلام عليكم.