الرئيسية » خطابات الرئيس محمود عباس »

كلمة السيد الرئيس لأبناء شعبنا بمناسبة الذكرى الــ "59" للنكبة في رام الله

15 أيار 2007

كلمة السيد الرئيس لأبناء شعبنا بمناسبة الذكرى الــ "59" للنكبة في رام الله

15/5/2007

بسم الله الرحمن الرحيم

أيتها الأخوات والإخوة في الوطن والشتات،

أخواتي وإخواني وأبنائي أسرى الحرية في سجون الاحتلال ومعتقلاته،

أهلنا في مخيمات اللجوء وفي كل مكان،

السلام عليكم،

 

تمر علينا اليوم الذكري التاسعة والخمسون للنكبة، هذا الجرح العميق في قلب وضمير كل مواطن فلسطيني، حيث تتساوى المعاناة بين من يعيشون هنا تحت الاحتلال، و من يعيشون في المنافي، فكل فلسطيني يتجاذبه في هذا اليوم الشعور بالغضب من جهة والأمل والتحدي من جهة أخرى..

 

تسعة وخمسون عاماً مرت على شعبنا الذي تعرض إلى أخطر المؤامرات وعانى أبشع وأقسى أشكال الظلم والاضطهاد، وتم التنكر لوجوده كشعب بعد عام 1948، ليصبح المخيم رمزاً للفلسطيني كلاجئ تتلخص قضيته في الحصول على مساعدات إنسانية..

 

نتذكر نحن أبناء جيل النكبة، أيتها الأخوات والإخوة، تلك الأيام الحالكة السواد، يوم اقُتلعنا من الوطن، وتشتت شعبنا، وحال هذا الشتات دون لقاء الأخ بأخيه، وأصبح الفلسطيني صفة لا هوية، وغدا حلم الوطن الفلسطيني بعيد المنال..

 

أود أن أستذكر ذلك اليوم، رغم أننا ما زلنا في ظل الظروف صعبة، ولكنها يجب ألا تحجب عن أجيالنا، ممن ولدوا بعد سنوات من نكبة عام 1948، أننا اجترحنا معجزة البقاء رغم التفاوت الهائل في موازين القوى، والتعقيدات التي لا حدود لها إقليميا ودولياً.. فمن حق شعبنا، وأجياله الصاعدة أن يفخر بأننا رغم كل الصعوبات والضغوط لم نستسلم، ولم نرضخ، ولم نيأس، بل قررنا في ظل أوضاع وظروف صعبة إقليمياً ودولياً أن نبادر إلى كسر الصمت وإسقاط المؤامرة، فكانت ثورتنا التي انطلقت في الفاتح من عام 1965 بقيادة رئيسنا الراحل القائد الرمز الأخ أبو عمار ورفاق دربه، الذين قادوا نضال شعبنا، واستطاعوا بتضحيات وبطولات هذا الشعب العظيم أن يحولوا قضية فلسطين من قضية لاجئين إلى قضية شعب له الحق في تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف..

 

أيتها الأخوات،

أيها الإخوة،

 

لقد كانت مسيرتنا التي استمرت أكثر من أربعة عقود حافلة بمحطات مضيئة، إذ وحدت منظمة التحرير الفلسطينية شعبنا وفصائله المناضلة ضمن أطر ديمقراطية، واستطاعت أن تحصل على الاعتراف العربي والدولي بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، كما أنها نجحت في أن تلائم الكفاح المسلح مع العمل السياسي، الذي أدى إلى كسب تأييد وتضامن قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي، حيث أصبحت القضية الفلسطينية مفتاحاً لاستتباب الأمن والسلام والاستقرار في الشرق الأوسط وفي العالم..

 

وتشكل الخطوات التي نقطعها اليوم بعد اتفاق مكة المكرمة، وقيام حكومة الوحدة الوطنية، استمراراً لتلك المسيرة وتعزيزاً لها، فسلطتنا الفلسطينية الوطنية، ومرجعيتنا منظمة التحرير الفلسطينية ستحافظ على موقفها الواحد الموحد، انطلاقاً من الالتزام ببرنامجها الوطني وبكل الاتفاقيات التي وقعنا عليها وقطعناها على أنفسنا، ومستندين إلى مبادرة السلام العربية، التي تشكل عناصرها وأسسها برنامج سلام حقيقي ومتكامل..

 

إننا نطالب المجتمع الدولي اليوم، وخاصة اللجنة الرباعية الدولية، وبشكل أخص الولايات المتحدة الأمريكية، بأن تمارس دورها كوسيط نزيه في الصراع يحترم ويتعامل مع حكومة الوحدة الوطنية، من أجل إنهاء الحصار الظالم على شعبنا، بحيث نتمكن من معالجة كل القضايا المطروحة على جدول أعمال الحكومة الجديدة وفي المقدمة إنهاء الفلتان الأمني والفوضى الداخلية، وفرض القانون، وذلك من خلال تطبيق الخطة الأمنية، دون أي تردد أو تأخير، لوأد الفتنة، واستبعاد شبح الاقتتال الداخلي، ونحافظ على التهدئة بشكل تام ونستأنف مسيرة الإصلاح والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في سبيل التغلب على البطالة واتساع دائرة الفقر وحالة الانهيار الاجتماعي، وهجرة الكفاءات ورؤوس الأموال التي تزايدت معدلاتها بشكل خطير..

 

ونشير هنا إلى أننا ما زلنا متمسكين بالخطة الأمنية الأمريكية التي طرحت علينا ورفضها الطرف الإسرائيلي ونصر على تطبيقها. لأنها أساس لمطالبنا.

 

أيتها الأخوات،

أيها الإخوة،

يا أبناء شعبنا المناضل،

 

إننا نسعى من جانبنا إلى ترتيب وتحصين وضعنا الداخلي، الذي يشمل الحوار القائم بشأن تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، وضمان مشاركة وطنية شاملة في أطرها، كما نحرص على توطيد وتمتين علاقاتنا مع كل الدول العربية والإسلامية والدولية، ونتمسك بقرارات الشرعية الدولية، مطالبين بتطبيق خطة خارطة الطريق بشأن حل الدولتين، مقابل ذلك تواصل إسرائيل انتهاج سياسة القوة والبطش والإمعان في اغتيال واعتقال الآلاف من المواطنين الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم، وبناء جدار الفصل العنصرين، والسعي بكافة الوسائل إلى فرض تهويد القدس..

 

وفي هذا المجال، فإنني أحذر وأنبه من خطورة الخطوة التي تم الإعلان عنها بشأن بناء ثلاث مستوطنات جديدة في القدس الشرقية وحولها، التي تهدف إلى إقامة عشرين ألف وحدة سكنية استيطانية تربط ما بين المستوطنات القائمة شمال المدينة وجنوبها، بحيث يتم عزلها وعزل سكانها الفلسطينيين نهائياً عن الضفة الغربية..

 

إن المجتمع الدولي مطالب بالتدخل فوراً لإيقاف هذه الخطة، فالقدس ستبقى عنوان كل حل عادل، وتخليصها من أسر الاحتلال هو هدف أسمى من كل الأهداف، وهو الذي بإمكانه ضمان مكانتها كمركز للتسامح الديني والتعايش الإنساني وحسن الجوار..

 

إن طريق الاستيطان وبناء الجدار والاجتياحات والاغتيالات والحواجز وغيرها من الممارسات الإسرائيلية، لن تقرب السلام المنشود بيننا، بل ستجعل الطريق نحوه أكثر صعوبة وتعقيداً..

 

إن مبادرة السلام العربية القائمة على مبدأ عودة الأرض مقابل السلام، هي فرصة تاريخية أمام إسرائيل وأمام شعوب المنطقة، لوضع حد لعقود من الحروب والعذابات.

 

وقد آن الأوان للتخلص من أوهام الحصول على السلام مع استمرار الاحتلال، أو أن القوة ستجبر الفلسطينيين على الركوع والاستسلام..

 

وأؤكد اليوم بأننا لن نساوم على حقوقنا التي كفلتها لنا الشرعية الدولية، والتي تتخلص في إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967، وإقامة دولتنا المستقلة عليها وعاصمتها القدس الشريف، وإيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين بموجب قرار الأمم المتحدة 194.

 

يا أبناء شعبنا الفلسطيني في كل مكان،

 

في هذا اليوم الذي يرمز إلى مأساتنا ونكبتنا، أعاهدكم أن أبذل أقصى ما لدي من طاقة وجهد من أجل تخليص شعبنا من عذاباته وفي مقدمتهم أبنائي وأشقائي الأبطال في سجون الاحتلال، ومن بينهم قادة ونواب ووزراء منتخبون، وأن تبقى قضيتهم أولوية في جهودنا وعملنا اليومي، حتى يتم إطلاق سراحهم.

 

ولن يفوتني في هذا اليوم دون التوقف عند مأساة أبناء شعبنا في العراق، ومعاناتهم والتي نبذل أقصى جهودنا لإيجاد حل لها مع حكومة العراق، ومع أطراف إقليمية ودولية مختلفة لحمايتهم من الاعتداءات التي يتعرضون لها.

 

وأود أن أعبر لأشقائنا في مخيمات لبنان ولكل مخيمات الشتات كافة، بأننا سنبقى ندافع عن حقوقهم وقضيتهم العادلة بمختلف الوسائل وفي جميع الميادين، فقضية اللاجئين هي جوهر وأساس المشكلة. رغم كل المعاناة وكل الآلام، لا بد للحق أن ينتصر، ولا بد أن تشرق شمس الحرية، فالتحية والتقدير لكل فلسطينية وفلسطيني من أبناء شعبنا في الوطن وفي الشتات.

 

ولنجدد جميعاً العهد بأننا سنبقى أوفياء لقضية شعبنا ولدماء شهدائنا الأبرار رحمهم الله جميعاً. المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، ولأسرانا البواسل الحرية، ولشعبنا العزة والكرامة.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.