خطاب السيد الرئيس أمام البرلمان الدومنيكاني في سانتو دومنيغو
خطاب السيد الرئيس أمام البرلمان الدومنيكاني في سانتو دومنيغو
7/10/2011
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد رينالدو باريد بيرز، رئيس مجلس الشيوخ،
السيد ابيل مارتينيز، رئيس مجلس النواب،
السيدات والسادة أعضاء السلطة التشريعية،
السادة الحضور،
أشكركم على دعوتكم الكريمة، ويُشرفني الحديث أمام ممثلي شعب جمهورية الدومينيكان الصديق، مُعرباً باسمي وباسم أعضاء وفدنا عن فائق تقديرنا لحسن الاستقبال والضيافة في بلدكم الرائع، بلد القائد المؤسس (خوان بابلو دوارتيه).
إن بُعْد المسافة بين جمهورية الدومينيكان وفلسطين لم يحُل دون قيام أوطد وأقوى العلاقات بين شعبينا، وقد أسهم فيها بلا شك، بالإضافة إلى المبادئ والقيم التي تجمعنا، وجود جالية من أصول عربية وفلسطينية، اندمجت في هذا البلد المتعدد الثقافات والأجناس، لتقدم للعالم أروع نموذج عن الولاء المشترك لوطن واحد لا تفرقة فيه على أساس الدين أو اللون.
لقد أُتيح لي في هذه الزيارة استكمال مناقشة العديد من القضايا مع فخامة الرئيس الصديق فرنانديز التي بدأناها أثناء زيارته لنا في فلسطين، حيث تطرقنا إلى كل ما له علاقة بقضايانا الثنائية المشتركة، وكذلك بالعلاقات الأوسع بين دول أمريكا اللاتينية والوسطى والكاريبي مع العالم العربي، ونحن متفقون على ضرورة مواصلة الحوار وتعميقه، وتوفير أفضل الشروط للتعاون الاقتصادي والاستثمار، خاصة وأن وسائل الاتصال الحديثة قد أزالت الحواجز والحدود، فأصبحنا نعيش فعلاً في قرية عالمية واحدة، يتطلب عيشنا المشترك فيها مواجهة أخطار تهدد الجميع كالاحتباس الحراري أو الفقر أو التلوث، كما أن بقاءنا يوجب علينا التوقف عن سباق التسلح، والتخلص من أسلحة الدمار الشامل، وأن تسود لغة الحوار بين الدول، وأن تكون القوة للحق وليس الحق للقوة، وأن نعيد للأمم المتحدة الدور الذي قامت من أجله، فيحترم ميثاقها نصاً وروحاً، وتطبق قراراتها دون معايير مزدوجة ودون انتقائية يفرضها القوي على الضعيف.
السيد الرئيس .. حضرات السيدات والسادة،
نأتي إلى بلادكم من وطن كَرَّمه الله بأن تعايشت فيه الرسالات السماوية، التي تدعو كلها إلى التسامح والمحبة، ففلسطين الأرض المقدسة، بقيت أماكن عبادتها مفتوحة ومصانة لأتباع الديانات السماوية الثلاث عبر مئات بل آلاف السنين، ولم تعرف التمييز الديني عبر تاريخها الطويل، فاليهود والمسيحيون والمسلمون عاشوا جنباً إلى جنب، ومارسوا عباداتهم، وتقاسموا حلاوة الحياة ومرها.
لم تكن فلسطين صحراء قاحلة كما قالوا ولم تكن أرضاً بلا شعب، فمنذ أن صدر قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين عام 1947، ثم قيام إسرائيل واستيلاؤها على معظم أراضي فلسطين التاريخية عام 1948، واحتلال ما تبقى عام 1967، ولدت هذه المأساة التي يُعاني منها شعبنا الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال الإسرائيلي أو اللاجئ المشرد في مختلف دول العالم والمحروم من العودة إلى وطنه.
بإمكانكم أن تتخيلوا حجم معاناة شعب يصبح ما بين ليلة وأخرى لاجئاً مشرداً يحتل بيته ويجري هدم أو تغيير اسم مدينته أو قريته، ويشطب عن الخارطة اسم وطنه، ويسود وهم مؤداه أن كبار السن سيموتون وأن الصغار سينسون، فيذوب الفلسطينيون وكأن لم تكن يوماً فلسطين.
ولكننا لم نستسلم، وطبيعي ألا يستسلم أي شعب حي بخاصة وأننا نعيش في زمن لم يعد ممكناً فيه القضاء على الشعوب وتاريخها، فانطلقت ثورتنا الفلسطينية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965 من أجل الحصول على حقنا في تقرير مصيرنا.
ومنذ العام 1988 قرر مجلسنا الوطني القبول بحل الدولتين على أساس حدود عام 1967، وهو ما يعني أن الدولة الفلسطينية ستقوم على مساحة 22 بالمئة فقط من مساحة فلسطين التاريخية، أي في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهي الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967.
رحَّب العالم بأسره آنذاك بهذا القرار، بما فيه الإدارة الأميركية التي بدأت حواراً رسمياً مع منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن حكومة إسرائيل آنذاك استمرت على مواقفها المتطرفة، إلى أن كان عام 1993 أثناء رئاسة اسحق رابين للحكومة الإسرائيلية حيث تم التوقيع على اتفاق أوسلو في البيت الأبيض بما فيه الاعتراف المتبادل بين حكومة إسرائيل، وبين منظمة التحرير الفلسطينية، وتضمن الاتفاق مجموعة من البنود، تستند إلى قرارات الأمم المتحدة، بما فيها قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338، أي الأرض مقابل السلام، على أن يتم في مدى أقصاه خمس سنوات التوصل عبر المفاوضات إلى حل دائم يشمل قضايا اللاجئين والقدس والمياه والحدود والأمن، وتنشأ الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل.
لقد تضمن اتفاقنا مع الحكومة الإسرائيلية آنذاك نصاً واضحاً وهاماً، وهو تعهد الجانبين بعدم القيام بأي عمل أُحادي من شأنه أن يجحف بنتائج المفاوضات، وشمل ذلك التعهد مدينة القدس الشرقية المحتلة والمؤسسات الفلسطينية فيها.
السيد الرئيس .. حضرات السادة الأعضاء،
كان أخطر ما قامت به الحكومة الإسرائيلية هو مواصلتها للاستيطان في أراضينا الفلسطينية المحتلة، مع كل ما يترافق معه من حواجز على الطرقات، وبناء لجدار الفصل العنصري داخل أراضينا.
وبالرغم من أن كل المبادرات والقرارات الدولية تطالب بتجميد الاستيطان باعتباره غير شرعي وعقبة في وجه السلام، وبأن أي مفاوضات ذات مصداقية لا بد أن تقوم على أساس مبدأ الدولتين، وإنهاء الاحتلال الذي وقع عام 1967، غير أن الحكومات الإسرائيلية واصلت سياسة فرض الأمر الواقع، وجاءت حكومة إسرائيل الحالية بما فيها المستوطنين منهم، لتتجاوز كل الحدود بإتباعها سياسة تطهير عرقي عنصرية للوجود الفلسطيني المسيحي والإسلامي في مدينة القدس، في سبيل تهويدها، وتكثيف سياستها الاستيطانية التوسعية.
وتصاعدت الممارسات الإسرائيلية لتشمل اعتقال وإبعاد النواب المنتخبين وإغلاق المؤسسات وهدم البيوت وتهجير السكان، وحرمان أبناء شعبنا المسلمين والمسيحيين من الوصول إلى أماكن العبادة.
لقد عملت الحكومة الإسرائيلية الحالية على تكريس الاحتلال وديمومته، ولا أعتقد أن هناك مسؤولاً دولياً واحداً لم يصل إلى قناعة بأن الحكومة الإسرائيلية هي المسؤولة عن فشل كل جهود السلام، بدءاً من خارطة الطريق ومبادرة السلام العربية، ورؤيا الرئيس بوش بشأن حل الدولتين، إلى تفاهمات أنابوليس وجهود الإدارة الأمريكية الحالية للرئيس باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون.
كان لا بد لنا لإنقاذ ما تبقى من أمل في إنجاح عملية السلام، أن نتوجه إلى الأمم المتحدة للحصول على الاعتراف بدولتنا الفلسطينية على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، حتى تتكرس بذلك شرعية وجود الدولة الفلسطينية التي تخضع لاحتلال دولة أخرى هي دولة إسرائيل، وهذا لا يتعارض أبداً مع إجراء المفاوضات بينهما من أجل حل قضايا الوضع الدائم كافة.
إن طلب الاعتراف بدولتنا ليس إجراء أُحادياً، وهو ليس عقبة أمام المفاوضات، ولا نهدف من ورائه نزع الشرعية عن إسرائيل أو عزلها، ولا نريد كذلك الاصطدام والخلاف مع الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها، بل أن ما نسعى إليه هو اكتساب الشرعية لوجودنا كشعب له الحق في تقرير المصير ونزع الشرعية عن الاحتلال والاستيطان.
ولذلك أكدنا على موافقتنا على ما جاء في بيان اللجنة الرباعية الأخير بالعودة للمفاوضات وفق المرجعيات التي تضمنها البيان وعلى رأسها حل الدولتين على أساس حدود 1967 مع وقف الاستيطان عملاً بالتزامات خارطة الطريق، ونحن بانتظار موافقة واضحة من الحكومة الإسرائيلية على هذا البيان.
السيد الرئيس،
توجد في إسرائيل قُوى سلام تشاركنا الأمل في الوصول إلى حل تتعايش فيه بأمن وسلام دولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل، وفي العالم هناك الأغلبية الساحقة التي اعترفت بدولتنا والتي تؤمن بأن السلام الإسرائيلي الفلسطيني هو مصلحة حيوية للسلام والاستقرار العالمي، وبلادكم في الطليعة بين هذه الدول. وهذا ما أكدت عليه مبادرة السلام العربية التي أعلنت عام 2001، ونصت على موافقة جميع الدول العربية والإسلامية وهي 57 دولة لإقامة علاقات مع إسرائيل حال انسحابها من الأراضي المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية.
أمام التطورات الحاصلة في منطقتنا وما اصطلح على تسميته الربيع العربي، فلا بد للمجتمع الدولي أن يدرك بأن الانحياز للتوسع وللتطرف الإسرائيلي لا يحقق السلام والاستقرار، ولا يخدم أيضاً مستقبل إسرائيل في المنطقة، ولا بد أن تكرس الطاقات والجهود لإزالة العقبة أمام السلام، والمتمثلة أولاً وأخيراً بالاستيطان، فإسرائيل، وعلى لسان وبقلم خيرة مثقفيها، تطالب بمن ينصحها، وبمن يخفف من تطرف وعنصرية بعض أحزابها وقادتهم، وأتمنى أن يتذكر المنحازون لموقف الحكومة الإسرائيلية الحالية، بأن هناك فارقاً كبيراً بين الدفاع عن وجود إسرائيل والدفاع عن توسعها واحتلالها واستيطانها.
وأؤكد لكم، بأننا رغم كل المصاعب والضغوط، سنواصل العمل من أجل الوصول إلى تحقيق السلام والأمن لشعبنا ولشعب إسرائيل ولشعوب منطقتنا، وستكون دولتنا الفلسطينية المستقلة نموذجاً في منطقة الشرق الأوسط للعدالة والمساواة والديمقراطية الحقيقية.
السيد الرئيس السادة الأعضاء،
عندما وضعت توقيعي إلى جانب توقيع الرئيس فرنانديز في مدينة شرم الشيخ، قبل عامين على اتفاقية الاعتراف المتبادل، وإقامة العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية الدومنيكان ودولة فلسطين، فقد كان ذلك انطلاقاً من قناعتنا بضرورة تطوير علاقاتنا المشتركة في المجالات والصعد كافة، لتكون انعكاساً لرغبة الدولتين في التميز في العلاقة في مجالات التعاون وتبادل الخبرات والتنسيق المشترك، وفي هذا الإطار ولخدمة هذا الهدف، فإن دولة فلسطين تنوي فتح سفارة لها في عاصمتكم الجميلة، سانتو دومنيغو، لتتولى متابعة هذا الالتزام وتنفيذه، كما ونرغب في أن تصبح هذه السفارة محطة مركزية في علاقاتنا الثنائية مع العديد من دول المنطقة، أكان ذلك في أمريكا الوسطى أو في الكاريبي.
نأمل أن نتمكن خلال هذه الزيارة من تشكيل لجنة مشتركة على مستوى وزراء خارجيتنا لمتابعة تنفيذ هذه الاهتمامات وتطوير علاقاتنا الثنائية باستمرار.
أشكركم، وأتمنى لبلادكم المزيد من التقدم والازدهار.