الرئيسية » خطابات الرئيس محمود عباس »

كلمة الرئيس محمود عباس خلال اجتماع القيادة الفلسطينية الطارئ في مقر الرئاسة بمدينة رام الله ردًا على إعلان الرئيس الأميركي ترمب بما يسمى "صفقة القرن"

28 كانون الثاني 2020

 

قبل أن أبدأ كلمتي أريد أن أقول للثنائي ترمب ونتنياهو: إن القدس ليست للبيع، وكل حقوقنا ليست للبيع وليست للمساومة وصفقتكم المؤامرة لن تمر.

باسمي وباسم القيادة الفلسطينية المجتمعة حاليًا أتوجه بتحية إجلال وإكبار لشعبنا العظيم الصامد في القدس والضفة الغربية وغزة وجميع أماكن تواجده على وقفتهم الكبيرة في وجه الاحتلال ورفضهم ما يسمى بـ"صفقة العصر" التي لن تمر. وسيذهبها شعبنا إلى مزابل التاريخ كما ذهبت كل مشاريع التصفية والتآمر على هذه القضية.

وكلنا ثقة بأن النصر هو حليف شعبنا البطل الذي قدم التضحيات الجسام على طريق الحرية والاستقلال من أجل القدس وفلسطين.

وتحية إكبار لشهداء شعبنا وأسرانا وجرحانا ومبعدينا. وأؤكد لهم أن حقوقهم مصانة، ولن يفرط بها أحد.

كما أتوجه بالتحية والتقدير لأمتينا العربية والإسلامية وأحرار العالم على ثباتهم وتمسكهم بدعم حقوقنا الوطنية المشروعة؛ وأتوجه بهذه اللحظات الدقيقة والحاسمة إلى الكل الفلسطيني في الوطن والشتات إلى رص الصفوف وتوحيدها وتعميقها وتعميق روابط الوحدة الوطنية وإعطاء الأولوية لجبهة الاحتلال وإسقاط مشروع تصفية المشروع الوطني.

وأعلن أن استراتيجيتنا ترتكز على استمرار كفاحنا الذي لم ينقطع لإنهاء الاحتلال وتجسيد استقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية.

وسوف نبدأ فورًا باتخاذ كل الإجراءات التي تتطلب تغيير الدور الوظيفي للسلطة الوطنية الفلسطينية تنفيذا لقرارات المجلسين الوطني والمركزي.

أبناء شعبنا الفلسطيني العظيم، لن نركع ولن نستسلم؛ نحن صامدون صابرون مثابرون قابضون على الجمر وشامخون في وجه الاحتلال والطغيان ونحن لها. المؤامرات وصفقات العصر ومخططات تصفية القضية الفلسطينية إلى فشل وزوال ولن تخلق حقا ولن تنشئ التزاما. وحدتنا التي تتجسد لمواجهة المخططات التصفوية بين عموم أبناء شعبنا في أماكن تواجده كافة؛ وبدعم من أحرار العالم سوف تسقط الظلم والظالم والاحتلال الفاشي.

إلى شهدائنا إلى أسرانا إلى جرحانا إلى أبطال شعبنا إلى أبي عمار إلى الدرة إلى دوابشة إلى أبو خضير إلى السواركة، عهدًا لكم أن تضحياتكم ودماءكم لن تذهب هدرًا، المجد والخلود للشهداء، عاشت فلسطين.

الإخوة الأعزاء، استمعنا قبل قليل إلى الرئيس ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يتحدثان عن صفعة العصر، هذه الصفعة التي سنعيدها صفعات إن شاء الله في المستقبل، ولن نجد شيئًا جديدا يضاف لما سمعناه قبل سنتين لأنه يكفي أننا قد سمعنا أن القدس موحدة عاصمة لدولة إسرائيل؛ وبالتالي لا حاجة لأن ننتظر وننتظر وننتظر، كما نصحنا البعضُ، لعل وعسى؛ فمنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا لم يتغير موقفنا؛ والآن وبعد أن سمعنا هذا الكلام الهراء من البداية إلى النهاية نقول: ألف مرة لا لا لا لـ"صفقة العصر".

إخواننا الأعزاء، نعتبر أن هذه الصفقة هي نهاية مشروع وعد بلفور، أي هي النهاية التي كانوا يقصدون من وراء وعد بلفور للوصول إليها لأننا عندما نقرأ هذا الوعد الذي يقول وطن قومي لليهود في فلسطين ثم بالنسبة للسكان الموجودين في هذا البلد يمكن أن يتمتعوا بحقوق مدنية ودينية، نفس الكلام الآن كشفوا عن وجههم، كشفوا عن حقيقتهم، وعادوا إلى البداية، إلى عام 1917 ليطبقوا كل ما أرادوا في عام 2020؛ اذن هذه هي صفقة العصر التي تستند إلى وعد بلفور الذي صنعته أميركا وبريطانيا. وقد يستغرب البعض، أميركا! نعم أميركا وبريطانيا؛ لأن أميركا هي التي صاغته بالاتفاق مع بريطانيا وهي التي وضعته في ميثاق عصبة الأمم، وهي ليست عضوًا في عصبة الأمم، ووضعته في صك الانتداب وهي ليست مسؤولة عن الانتداب ثم قالت: هذا الذي يطبق، من هي أميركا؟!

كنا في الماضي نسمع أن الأميركان يتمتعون بديمقراطية وأخلاق، هذه السياسة الأميركية التي نراها الآن تطبق على أرضنا؛ ولذلك يجب علينا أن نفهم الحقائق كما هي، هذا وعد بلفور الذي أسسته أميركا وبدأت أميركا تطبقه الآن.

هناك البعض ممن تمر عليهم هذه اللعبة بأن اللوبي الصهيوني أو ما يسمونه "الايباك" يسيطر على أميركا وأن الإدارة الأميركية تسير بموجب سياسة اللوبي الصهيوني، هذا هراء؛ السياسة الأميركية هي التي تستخدم اللوبيات كلها لتعمل حسب مخططاتها وحسب مصالحها.

الصفقة التي عرضوها لا أريد أن أشرحها؛ فيكفي أن أقول: إن القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل؛ وما عدا ذلك يزيد من ظلمنا؛ ولكن ما داموا بدأوا بالأول، فأول القصيدة كفر هذا هو أول القصيدة، فماذا سيكون متن القصيدة ونهاية القصيدة؟! وكل ما قالوه من أن الاستيطان كله ضمن إسرائيل، وتحت السيطرة الإسرائيلية، ربما يأخذون 30-40% من فلسطين ليضموها إلى إسرائيل.

فهذا الذي ورد في خطة العصر؛ ولذلك نحن رفضنا هذه الصفقة منذ البداية وكان رأينا صحيحًا وموقفنا صحيحًا عندما رفضنا الانتظار حتى قبل يومين، قالوا: انتظروا لنسمع. ماذا نسمع؟! إذا كانت القدس ستذهب، هل سنقبل بدولة بدون القدس؟! مستحيل، أي طفل فلسطيني أو عربي أو مسلم أو مسيحي أن يقبل بذلك؛ لذلك قلنا له من البداية لا.

هناك أناس في العالم لديهم ضمير أو بعض ضمير ممن يقرأون الوقائع كما هي، وممن يعرفون الحق إلى حد ما.. ممن يميزون بين الحق والباطل، هناك أناس وهم كثيرون؛ وعلينا أن نبني على هذا.

هناك الاتحاد الأوروبي إلى هذه اللحظة يقول: حل الدولتين على أساس الشرعية الدولية وهذا كلام جميل. ثم نجد أيضًا في الكونغرس الأميركي، وهنا يجب أن نفهم أن البعض حتى الشعب الأميركي مضلل وموجه بالمحطات الصهيونية الموجودة هناك؛ فهو شعب طيب مثل باقي الشعوب، يؤمن بالحق ويبغض الباطل؛ وأنا رأيت مظاهرات كثيرة في أميركا؛ فالكونغرس الأميركي أو مجلس النواب الأميركي، منذ مدة، أخذ قرارًا ضد الاستيطان ومع تطلعات وطموحات الشعب الفلسطيني بأغلبية ساحقة؛ الديمقراطيون ضد الجمهوريين؛ إذن هناك أناس يميزون بين الحق والباطل ويقولون كلمة الحق ولو كانت صعبة عليهم، ولو كانوا يعاقبون عليها لكن يقولونها؛ هناك يهود في أميركا، ومنظمات يهودية في أميركا قالت: هذا خطأ ويجب أن نعطي للفلسطينيين حقهم؛ ويرفضون هذه الصفقة من بدايتها إلى نهايتها؛ ومحكمة العدل الأوروبية التي أصدرت قرارًا حول منتجات الاستيطان؛ إذن أوروبا بدأت تعي أنها ظلمتنا كثيرًا في الماضي، وأن عليها أن تصحح بعض الأخطاء التي وقعت فيها عبر مئة عام من الزمن.

كذلك أمامنا المحكمة الجنائية الدولية؛ نحن عندما أصبحنا عضوًا مراقبًا في الأمم المتحدة أتاحت لنا هذه الصفة أن ننضم إلى 520 منظمة، ومنها المحكمة الجنائية الدولية؛ ولكننا عانينا الكثير إلى قبل شهر، في محاربة شديدة من أميركا لتحول دون تطبيق هذه العلاقة بيننا وبين المحكمة الجنائية. ما هي المحكمة الجنائية؟ المحكمة الجنائية تعالج قضايا أفراد، وعندنا آلاف الأفراد ممن أصيبوا ودمروا وقتلوا وانتهكت أملاكهم وقتلت حيواناتهم من قبل المستوطنين. هؤلاء من حقهم أن يذهبوا لهذه المحكمة الآن ليرفعوا قضايا على هؤلاء الناس الذين اعتدوا عليهم، إذن هذا كان من المكاسب. إضافة إلى 120 منظمة دولية أصبحنا الآن أعضاء فيها، وآخرها وأهمها مجموعة 77+الصين، التي تعني أن 155 دولة تترأسها "فلسطين العضو المراقب" في الأمم المتحدة.

إذن بدأ ضمير دول العالم والمجتمع الدولي يصحو، عندما يكلفنا نحن العضو المراقب أن نستلم رئاسة ال77+ الصين، فهذه من جملة المكاسب التي حققناها؛ ولكننا مستمرون في هذا للوصول إلى حقوقنا؛ إنما هذه مؤشرات على أن العالم بدأ يفهمنا، وبدأ يفهم قضيتنا، وبدأ يتألم لآلامنا ويبكي لبكائنا، ويقول: نعم معكم حق. ومن هنا يجب علينا الاستمرار في سياستنا التي عرفها العالم. يعرف العالم على الأقل أننا شعب كباقي البشر، ولسنا أذنابا كما يقولون.. شعب يريد أن يعيش.. شعب يضم 13 مليون إنسان نصفهم في الداخل ونصفهم في الخارج؛ وإلى متى يبقى هذا الشعب غير معترف بوجوده؟! وهناك دول -مع الاحترام لها- عدد سكانها 10 آلاف، وهي عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا تعترف بنا لأن أميركا لا تريد، وتقول: لا؛ وإن شاء الله سيأتي الوقت وستقول نعم رغمًا عنها وسنحصل على حقوقنا، وهناك جهات تقف معنا.

والآن سمعنا كثيرًا من ردود الفعل على خطاب السيد ترمب، ردود فعل مبشرة سنبني عليها، وسنستمر في عملنا وفي جهودنا وفي كفاحنا من أجل الوصول إلى الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967؛ يعني على 22% من فلسطين التاريخية؛ وما زال السيد ترمب يريد أن يأخذ 40% من 22% التي قبلنا بها!

وأقول للمجتمع الدولي: نحن متمسكون بالشرعية الدولية لأنها هي المرجعية، لدينا 86 قرارًا في مجلس الأمن ولدينا 125 قرار جمعية عامة، وقرار واحد منهم يضعونه على الطاولة ونقبل التفاوض عليه، حتى القرار الذي وضعته أميركا على طاولة مجلس الأمن وهو 2334 يتنكر له السيد ترمب، ويعتبر أن الشرعية غير موجودة؛ لأنه هو صاحب القوة ويقول كلمة لا ترفض، وهو الذي يعطي الأوامر لكل العالم، على الأقل نحن لا نسمع أوامره ولا نقبل بها.

لذلك نحن متمسكون بالثوابت الوطنية التي أصدرها المجلس الوطني عام 1988.. هذا المجلس الذي عقد في الجزائر؛ نحن متمسكون بهذه الثوابت ولن نتنازل عن أحدها كحق اللاجئين والحدود وحقنا في الدولة، وكل هذه القضايا نحن متمسكون بها الصغيرة والكبيرة.

كذلك نقول للعالم: نحن لسنا شعبًا إرهابيًا، ولم نكن في حياتنا شعبًا إرهابيًا، ونحن ملتزمون بمحاربة الإرهاب؛ ولكن على العالم أن يفهم أن هذا الشعب يستحق الحياة، وكذلك نحن متمسكون بالمفاوضات على أساس الشرعية الدولية. وأنا قلت في مجلس الأمن: نريد مؤتمرًا دوليًا، ونريد المفاوضات التي يقودها الأربعة؛ لن أقبل أميركا وحدها؛ وأنا أعرف أنني لا استطيع تجاهل أميركا؛ ولكن أميركا ليست هي كل العالم؛ توجد رباعية دولية، أقبل بالرباعية الدولية. نحن سنحارب بكل ما لدينا من طاقة، والتحرك الشعبي السلمي أول هذه الأسلحة؛ والشعب الفلسطيني منتشر في الشوارع، في كل فلسطين، في القدس، وفي الضفة الغربية، وفي العالم، وهو على الأقل شاهد وسمع ماذا قال نتنياهو وترمب وخرج وحده، هذا الأسلوب يجب أن نتبعه ونقوم به.

كلامي موجه لكل الفصائل الفلسطينية: نحن أعلنا عن انتخابات تشريعية ورئاسية ومتمسكون بها؛ لكن هذه الانتخابات أين؟ في الضفة الغربية وفي غزة وفي قلب القدس؛ المواطن المقدسي ينتخب في القدس وليس خارجها، يجب أن يصوت في قلب القدس، وإن شاء الله يحصل ذلك، ونستكمل بها مؤسساتنا الشرعية التي تحتاج الآن إلى انتخابات تشريعية ورئاسية؛ ونحن شعب ديمقراطي نؤمن بالديمقراطية والتعددية، ونؤمن بالتبادلية؛ ولكن إسرائيل إلى الآن لم توافق على أن نجري التصويت في القدس؛ ويجب أن توافق.

يجب أن نبذل كل طاقتنا وإمكاناتنا للعمل على إنهاء الاحتلال وتجسيد الاستقلال؛ وذلك بتغيير الدور الوظيفي للسلطة الوطنية الفلسطينية، وهذا واجب يجب أن نضعه نصب أعيننا من أجل أن نحققه، حققنا مكاسب نبني عليها في الأمم المتحدة، في كل مكان حققنا إنجازات يجب أن نبني عليها.

اليوم حضرت الفصائل الفلسطينية الاجتماع: حركة حماس، والجبهة الشعبية، والصاعقة، والمبادرة الوطنية؛ وبالتالي هذا إحساس بالخطر فتداعى الجميع ونسوا خلافاتهم.

وتحدثت مع السيد إسماعيل هنية وقال لي: يجب أن نلتقي فورًا. وقلت له: إن شاء الله نلتقي في غزة. وإن شاء الله سنبدأ مرحلة جديدة من الحوار الفلسطيني والعمل الفلسطيني المشترك ونتجاوز الصغائر؛ من أجل أن نقف صفًا واحدًا؛ لأن وقوفنا صفًا واحدًا بالـتأكيد سيجعل العالم يقف معنا ويؤدي لنا التحية؛ نحن شعب يستحق الحياة ونريد حقنا.

وأخيرًا أقول لشهدائنا وأسرانا وجرحانا: حاولت إسرائيل وأميركا أن يحرمونا من أموالنا التي يجمعونها لنا مقابل نسبة يأخذونها، لا يوجد شيء عندهم دون ثمن، من أجل أن نتوقف عن الدفع للأسرى والجرحى والشهداء، الذين هم أقدس ما لدينا، ولو بقي معنا قرش واحد لن يصرف إلا على الشهداء والأسرى والجرحى.