خطاب السيد الرئيس ألقاه بالنيابة عنه وزير الشؤون الخارجية الدكتور ناصر القدوة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في إطار الاحتفال بمرور ستين عاماً على قيامها من نيويورك
خطاب السيد الرئيس ألقاه بالنيابة عنه وزير الشؤون الخارجية الدكتور ناصر القدوة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في إطار الاحتفال بمرور ستين عاماً على قيامها من نيويورك
16-9-2005
السيد الرئيس،
أصحاب الفخامة و السعادة رؤساء وأعضاء الوفود،
معالي الأمين العام،
السيدات والسادة،
أقفُ أمامكم اليوم ممثلاً لشعبي، ناقلاً رسالته، حاملاً آلامَه وآمَاله وثقتهُ بالتزامكم بحل القضية التي مر على عرضها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة 58 عاما. ومن أجل هذا الهدف النبيل وقف أمامكم القائد الراحل الرئيس ياسر عرفات لأول مرة عام 1974، والقي خطابه التاريخي من أجل شعبه من أجل الأمن والسلام في المنطقة.
إننا في فلسطين نقف اليوم أمام مهمتين تاريخيتين، عقدنا العزم على انجازهما: مهمة الاستقلال و السلام، ومهمة التطوير وبناء مؤسسات الدولة. إن الأولوية الأولى إذن هي إنهاء الاحتلال وتحقيق الحرية السبيل نحو إنهاء الاحتلال واضحٌ حددته القرارات الكثيرة للشرعية الدولية، ورسمت خطواته خارطة الطريق التي اجمع عليها العالم واعتمدها مجلس الأمن في القرار 1515.
أن الهدف وكما جاء في مبادرة السلام العربية ورؤية الرئيس بوش هو تحقيق السلام على أساس حل الدولتين فلسطين وإسرائيل وفقا لخط الهدنة لعام 1949. ونحن إذ نسعى للاستقلال وبناء الدولة، نعمل على تعزيز ثقافة السلام، ونبذ العنف وإزالة أسبابه، لأننا نريد بناء مجتمع يحول المعاناة التي عاشها الشعب الفلسطيني على مدى عقود إلى طاقة خلاقة للبناء، بحيث تصبح القضية الفلسطينية مثالا للديمقراطية والتقدم، لا أداة يستغلها من يريد اللعب على مشاعر الاضطهاد في العالم لتشجيع الإرهاب أو اختلاق صراع بين الحضارات.
السيدات والسادة،
إننا الآن نقف أمام فرصة لإعادة إطلاق عملية السلام، فرصة وفرتها مرحلة ما بعد فك الارتباط في قطاع غزة وبعض مناطق من شمال الضفة الغربية، والذي تعاملنا معه بايجابية على الرغم من كونه خطوة أحادية الجانب، ونجحنا في ضمان سيره بشك هادئ وآمن.
وعلى إسرائيل أن تجعل هذا الانسحاب خطوة ايجابية بشكل حقيقي وإنهاء الأمور الهامة العالقة بشك سريع بما في ذلك معبر رفح الحدودي مع مصر والمطار والميناء وتحقيق الربط بين القطاع والضفة الغربية. بدون ذلك ستبقى غزة سجناً كبيراً.
ينبغي كذلك تنفيذ تفاهمات شرم الشيخ وانسحاب إسرائيل إلى مواقع 28 سبتمبر2000 وإطلاق سراح الأسرى، وخلق أجواء من الأمل و الثقة. غير أن أية إنطلاقة جدية لا يمكن أن تتم بدون وقف تام لكل النشاطات الاستيطانية ولبناء الجدار وللاستمرار في تمزيق الضفة الغربية وتحويلها إلى كانتونات وجزر متناثرة وخاصة في القدس. فالقدس هي عنوان السلام، والقدس الشرقية هي عاصمة دولتنا، وحصارها وإحاطتها بجدران العزل وفصلها عن محيطها وتدمير مقومات الحياة فيها وحرمان المواطنين الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين من الارتباط بمقدساتهم لا يمكن إلا أن ينسف أسس السلام.
إن الشراكة هي مفتاح النجاح في كل الخطوات، لان السياسات الأحادية وأن نجحت جزئياً، فنجاحها سيكون مؤقتاً و ليس شاملا بالتأكيد. بالتالي، فان خير وسيلة للتقدم هي بالتوجه فوراً لمفاوضات الوضع الدائم لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حلاً يضمن إقامة دولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وحل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين على أساس القرار 194.
سيدي الرئيس،
فور انتخابي رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية، توصلنا إلى اتفاق وطني على التهدئة من جانب واحد، وصمدت الهدنة على الرغم من الاستفزازات المتكررة. كما باشرنا بعملية شاملة لتوحيد وإعادة تأهيل أجهزتنا الأمنية المدمرة، وأحرزنا تقدماً مهماً على الرغم من العراقيل التي تواجهنا.
وبالتوازي، شرعنا بعملية إصلاح، توفر البنية التحتية لقيام دولة فلسطينية ديمقراطية عصرية. فعقدت الانتخابات البلدية وبدأ التحضير للانتخابات التشريعية التي ستعقد بداية العام القادم، باتجاه إرساء التعددية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.
كما وقطعنا شوطاً هاماً في إصلاح وتنمية مؤسساتنا الحكومية ونظامنا المالي لتهيئة المشروع التنموي الاقتصادي الذي نطمح إلى تأسيسه، و الذي نعمل مع المجتمع الدولي على تحقيقه. وفي هذا الإطار، لا يسعني إلا أن اشكر الدول الشقيقة والصديقة على دعمها المستمر لنا، وكذلك ما تجلى في مؤتمر لندن، وفي قمة الثمانية، ويأمل شعبنا في زيادة هذا الدعم، لان السلم لا يتم في ظل الفقر، والتنمية لن تنجح في ظل الاحتلال.
السيد الرئيس،
واسمحوا لي أن اغتنم هذه الفرصة لأؤكد قناعتنا في فلسطين بضرورة وجود منظمة أمم متحدة قوية تم إصلاحها بما في ذلك مجلس أمنها لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين، وكذلك ضرورة الالتزام بمبادئ وأهداف الميثاق والقانون الدولي، وخاصة فيما يتعلق بصون حقوق الإنسان وحريته وكرامته، كي يتمكن المجتمع الدولي من التعامل مع التحديات التي تواجهنا جميعاً من احتلال أجنبي وإرهاب دولي وانتشار لأسلحة الدمار الشامل، والفقر والجوع والأمراض الخطيرة.
أخيرا نؤكد، أننا نقف الآن وفي الشرق الأوسط بالذات على مفترق طرق، فأما التقدم الحثيث والفعَّال نحو السلام والاستقرار والأمن والبناء والتعايش، وأما الدوران مجدداً في الحلقات المفرغة في ظل تهديد دائم بتواصل العنف والإرهاب والابتعاد عن الحلول الجوهرية للتحديات التي تواجهنا، وإنني على يقين بأنكم ستدفعون بالخيار الأول.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.