الرئيسية » خطابات الرئيس محمود عباس »

كلمة السيد الرئيس بمناسبة "اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني": ألقاها نيابةً عن سيادته، د. رياض منصور، مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة

29 تشرين الثاني 2005

كلمة السيد الرئيس بمناسبة "اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني": ألقاها نيابةً عن سيادته، د. رياض منصور، مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة

29-11-2005

 

سعادة الأخ السفير السنغالي بول بادجي، رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف،

سعادة الأمين العام للأمم المتحدة، السيد كوفي عنان،

سعادة رئيس الدورة الستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، السفير السويدي السيد يان إلياسون،

سعادة رئيس مجلس الأمن، السفير الروسي السيد أندريه دينيسوف،

السادة الكرام،

 

نجتمع اليوم ومعنا كل المدافعين عن الشرعية الدولية ومبادئ العدل والسلام لنحيي معاً اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، يوم تضامن العالم مع حرية واستقلال الشعب الفلسطيني، ولنعلن رفضنا لسياسات الظلم والهيمنة والاحتلال.

 

في هذا اليوم يتلقى الشعب الفلسطيني رسالة سنوية من العالم، أنه ليس وحده في مسيرة نضاله لنيل حقوقه الشرعية التي كفلتها له الشرعية الدولية، بل يقف من خلفه كل المؤمنين بهذه الحقوق والمبادئ السامية والمدافعين عنها، والذين يمثلون الضمير العالمي ويصرون على رفع المعاناة والظلم التاريخي الذي عانى منه الشعب الفلسطيني لما يزيد عن 57 عاماً.

 

إليكم جميعاً أبعث بأسمى آيات التقدير والشكر على كل ما بذلتموه وتبذلونه لتمكين الشعب الفلسطيني من تحقيق حريته واستقلاله على أرضه، أرض فلسطين.

 

اسمحوا لي أن أخص السيد الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي عنان بالشكر على جهوده الحثيثة لتحقيق السلام في منطقتنا، وأود أيضاً أن أخص بالشكر والتقدير السيد بول بادجي، ورفاقه المحترمين أعضاء المكتب التنفيذي، وأعضاء اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف على الجهود الصادقة التي بذلوها ويبذلونها لتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه الشرعية غير القابلة للتصرف.

 

السادة الكرام،

 

لقد شهد العام المنصرم تطورات هامة لا يمكن لنا أن نقفز عنها، فمنذ رحيل الرئيس الخالد ياسر عرفات، أينعت أول بذور الحرية والاستقلال التي زرعها خلال مسيرة نضاله الطويلة، وانسحبت قوات الاحتلال من داخل قطاع غزة بعد احتلال طويل دام لنحو أربعة عقود.

 

إن هذا التطور الهام جاء كثمرة من ثمار نضال وصمود شعبنا، وكنتيجة لدعمكم اللامحدود، وبفضل الإدراك المتزايد للقوى الدولية المؤثرة باستحالة استمرار الوضع على ما هو عليه. بالرغم من أحادية الخطوة، إلا أننا تعاملنا بجدية معها، إدراكاً منا بأهمية انحسار الاحتلال عن جزء عزيز من أرضنا، ورغبتنا في تعزيز أية خطوة تأخذنا باتجاه التسوية الشاملة والسلام.

 

ولكن الوقائع على الأرض لا تدعو إلى التفاؤل، فما هو ظاهر من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي على الأرض بعد الانسحاب من غزة يبين أنه جاء كخطوة فرضها الواقع، وتستهدف تسهيل استمرار احتلال، واستعمار الضفة الغربية والقدس، وعرقلة التسوية النهائية. فجميع الممارسات الإسرائيلية التي سبقت وواكبت وتلت الانسحاب من غزة، تشير بما لا يدع مجالاً للشك، أن إسرائيل قوة الاحتلال، التي نفذت هذا الانسحاب هي ذاتها التي تقوم باستكمال مخططها الاستعماري على الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية في انتهاك خطير للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية. فبناء الجدار، الذي أقرت محكمة العدل الدولية في فتواها الاستشارية الصادرة بتاريخ 9 يوليو 2004، بعدم شرعيته، والتي تبعها العالم بقراره داط-15/10 المؤرخ في 20 يوليو 2004 بإدانته، لم يتوقف يوماً واحداً، ومصادرة الأراضي الفلسطينية لبناء المستوطنات لم تتوقف، والقدس عاصمة فلسطين باتت معزولة عن باقي الأرض الفلسطينية، ومحاطة بالجدران من كل جانب ويجري تغيير معالمها، وإغلاق مؤسساتها، وسلب هوية أهلها تحت مختلف المسميات، وعملية السلام، وخطة خارطة الطريق التي رحب العالم أجمع بها واعتمدها مجلس الأمن في قراره 1515(2003)، والتي تنص على إقامة دولة فلسطينية مستقلة ومتصلة وقابلة للحياة، ومفاوضات الوضع النهائي، كلها ما زالت هي الأخرى أسيرة لإرادة الاحتلال الإسرائيلي ورغباته التوسعية على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

 

فإسرائيل ما زالت تدير ظهرها للعودة إلى طاولة المفاوضات وكسر دائرة العنف من أجل التوصل إلى الحل الشامل والعادل الكفيل بإنهاء الصراع، والقادر على توفير الأمن والاستقرار والسلام لجميع الشعوب في المنطقة، وينهي عقوداً من الحروب ومن المعاناة والآلام وسفك الدماء.

 

إن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي اليومية تحمل على الجزم بأن الوجه الآخر للانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة هو محاولة فرض خطة فك الارتباط من خلال ما يسمى بحل الدولة ذات الحدود المؤقتة، أو حل مؤقت طويل الأمد، يحذف من جدول أعماله جميع ملفات مفاوضات الحل النهائي كالقدس، واللاجئين، والمستوطنات ،والحدود. وغيرها من ملفات لا يستقيم السلام بدون حلها حلاً عادلاً وشاملاً ونهائياً، وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية. إن وضوح رؤية السياق الذي جاء فيه الانسحاب الإسرائيلي من جزء عزيز من بلادنا، ودون أية أوهام أو ادعاءات، لن توقفنا أبداً عن بذل كل ما بوسعنا لتحويل انحسار الاحتلال عن غزة إلى مدخل لإنهاء الاحتلال من جميع الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 وفي القلب منها القدس. فالقدس هي عنوان السلام، والقدس الشرقية هي عاصمة دولتنا، وحصارها وإحاطتها بجدران العزل، وفصلها عن محيطها، وتدمير مقومات الحياة فيها، وحرمان المواطنين الفلسطينيين- مسلمين ومسيحيين- من الارتباط بمقدساتهم لا يمكن إلا أن ينسف أسس السلام.

 

السادة الكرام،

 

إننا في فلسطين اخترنا سلام العدل والحرية لتحقيق أهدافنا المشروعة بالاستقلال والتحرر وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس، كما حددته قرارات الشرعية الدولية، ورسمت خطوطه خطة خارطة الطريق، لكن السلام والعدل والحرية لا يمكن لها أن ترى النور في ظل الاحتلال والسيطرة، وفي ظل التوسع وبناء الجدار، على حساب حقوق الغير، ولا يمكن لها أن تتحقق عن طريق حلول أحادية الجانب ترسم الواقع على الأرض وتستبق مفاوضات الحل النهائي. إن طريق السلام واضحة، فهي تمر عبر الإقرار أولاً بالظلم التاريخي الذي وقع على الشعب الفلسطيني، والإقرار بحقوقه غير القابلة للتصرف، ويتكلل بإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية.

 

السادة الكرام،

 

لقد كان للأمم المتحدة دور بارز في حياة الشعب الفلسطيني، فمنذ نشأتها وقع على كاهلها حمل هذه القضية حتى تجد حلاً عادلاً وشاملاً لكل جوانبها. وقد عملت الأمم المتحدة عبر السنين على صون هذه الحقوق وحمايتها من التآكل والضياع، وكانت دوماً مصدراً للأساس القانوني والعادل لحل القضية الفلسطينية. لذلك لا يسعني إلا أن أعبر لكم عن امتنان وتقدير شعبنا لهذا الدور التاريخي الهام في تأكيد حقوقنا الوطنية المشروعة وخاصة في السنوات الأخيرة.

 

وإننا ندعو الأمم المتحدة ومعها المجتمع الدولي إلى الاستمرار في مسيرة الدعم والإصرار على تطبيق قرارات الشرعية الدولية، وتنفيذ الفتوى القانونية لمحكمة العدل الدولية، والقرارات 242 (1967)،338 (1973)، 1515 (2003)  كإطار أساسي للحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية، وعدم السماح لإسرائيل، قوة الاحتلال، بالالتفاف عليها أو التنصل من تطبيقها.

 

السادة الكرام،

 

إن هذا اليوم يجسد الوقفة العالمية في وجه قوى الظلام، التي تأبى أن ترى منطقتنا النور، نور السلام، وإن دعمكم وتضامنكم مع شعبنا يؤكد لشعبنا مجدداً أن العدل والقانون سينتصران في النهاية على القوة والطغيان، إن دعم الأمم المتحدة التي تجسد إرادة المجتمع الدولي مطلوب اليوم كما كان دوماً، ونحن على ثقة أن هذا الدعم والتضامن سيستمران حتى ذلك اليوم، الذي ترى فيه فلسطين والشعب الفلسطيني الحرية والاستقلال.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.