كلمة السيد الرئيس له أمام اجتماع اللجنة المصرية للتضامن المنعقدة في القاهرة
كلمة السيد الرئيس له أمام اجتماع اللجنة المصرية للتضامن المنعقدة في القاهرة
16-4-2005
الأخ المناضل أحمد حمروش،
رئيس اللجنة المصرية للتضامن
الأخوات والإخوة،
يسعدني في مستهل هذه الكلمة، أن أتوجه بالتحية لكم وللإخوة في اللجنة المصرية للتضامن، كما أحيي مصر الشقيقة رئيساً وحكومة وشعباً، معبراً عن الاعتزاز الكبير، لما تولونه من اهتمام، وتبذلونه من جهد، وتقدمونه من دعم، نأمل أن يستمر ويتكثف لقضية شعبنا ونضاله العادل، تجسيداً لدور مصر القومي، وللمبادئ والقيم النبيلة التي كرسها مؤتمر "باندونغ".
ويهمني في هذا المقام، أن أؤكد لكم باسم شعبنا الفلسطيني، وسلطته الوطنية، وباسم منظمة التحرير الفلسطينية، أن شعبنا يسجل لدول وشعوب المنظومة الأفرو- آسيوية، ولحركة عدم الانحياز، ما قدمته وتقدمه من دعم وتضامن صادق لنصرة قضيته ونضاله العادل، وما تتبوؤه قضيتنا من مكانة مرموقة متميزة، وتحظى به من اهتمام ورعاية وتأييد في كافة الميادين والمجالات، وفي كل الأوقات والظروف. إن ذلك الدعم والتأييد، وتلك المواقف الصلبة الثابتة، شكلت رافداً أساسياً يمد نضال شعبنا بعناصر القوة والإسناد، لانتزاع حقوقه الوطنية الثابتة، وتحقيق استقلاله الوطني، وقيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
واليوم، ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين لانبعاث الحركة على يد القادة العظام في آسيا وإفريقيا، نحتفل بمرور خمسين عاماً على انعقاد مؤتمر "باندونغ" الذي شهد ميلاد الحركة بمشاركة تسع وعشرين دولة، بينما يزيد عدد أعضائها الآن عن مائة وست عشرة دولة، إنما لنؤكد بأن المبادئ والأهداف الأساسية التي تأسست عليها الحركة وجسدت إطاراً لتفاعل التضامن والإرادة الجماهيرية من خلال منظمة التضامن الأفرو- آسيوي، لم تزل فياضة بالقيم والمثل والمعايير التي تجسد ضمير الإنسانية مهما تغير الواقع الدولي.
الأخوات والإخوة،
إنني على يقين أنكم تتابعون وباهتمام التطورات الجارية على الساحة الفلسطينية، وخاصة في هذه الظروف التي يجتاز فيها شعبنا الفلسطيني مرحلة جديدة ودقيقة في مسيرته النضالية بعد رحيل قائده التاريخي المغفور له ياسر عرفات، سواء على صعيد إعادة البناء الداخلي أو إعادة توجيه مسار النضال الوطني لشعبنا بما يعزز من فعاليته.
لقد أكد شعبنا الفلسطيني وحدته وتماسكه، وقدرته على مواصلة مسيرته، وجدارته في تجسيد استقلاله، وبناء دولته، من خلال ذلك النموذج المتميز، الذي قدمه للعالم بوعي واقتدار، ومسؤولية، بالانتقال الديمقراطي المنظم والهادئ للسلطة، عبر هيئاته الدستورية، مخيباً مراهنات الكثيرين من أعداء شعبنا والمتربصين به، ومؤكداً في نفس الوقت على خياراته الاستراتيجية في تحقيق السلام وممارسة الديمقراطية، والتمسك بثوابته الوطنية.
وفي هذا الاتجاه، فقد انطلق مسار إعادة البناء على أسس ديمقراطية، بإجراء الانتخابات الرئاسية، في الوقت الذي تتواصل فيه عملية الانتخابات المحلية، وننتظر إجراء الانتخابات التشريعية بعد أشهر قليلة، كما شرعنا بعملية إصلاح شامل لكل مكونات حياتنا السياسية على أسس وطنية ديمقراطية، وبمفهوم سياسي وبرنامج عمل، يلتقط مؤشرات الوضع الإقليمي والدولي الراهن، ويحافظ على مصالح شعبنا، ويعزز من قدرته على الصمود، ويضاعف من إمكاناته على تحقيق أهدافه، ويحفظ أمنه واستقراره تحت سلطة واحدة، وتعددية سياسية، ومشاركة مسؤولة لتجديد هياكلنا وبنانا السياسية والتنظيمية، بما فيها أُطر منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا، وسائر أُطر هياكل السلطة الوطنية الفلسطينية.
ويأتي ذلك كله في سياق ممارسة جماعية لحق شعبنا في تقرير مصيره الوطني والديمقراطي، وذلك ما جسدته نتائج الحوار الوطني الفلسطيني، الذي توج قبل فترة وجيزة بإعلان القاهرة، الذي أكد وحدة الصف الفلسطيني، وتوافق كافة الفصائل والقوى الفلسطينية، تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الوطنية الفلسطينية على خطوات محددة، لتحقيق المشاركة السياسية والتهدئة الميدانية، التي تنزع الذرائع الإسرائيلية لمواصلة العدوان الغاشم على شعبنا، والتشويه المتعمد لنضاله المشروع.
وضمن هذه الرؤية المحددة المرتكزة إلى خدمة المصالح الوطنية العليا لشعبنا، فإننا نواصل العمل ونضاعف الجهد، لإعادة الإمساك بزمام المبادرة، والانتقال إلى دائرة الفعل المؤثر سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً، بما في ذلك وضع حد للعدوان الإسرائيلي، وإحياء فرص السلام التي تعيدنا إلى طاولة التفاوض، والبدء بتطبيق خطة السلام الدولية ممثلة بخريطة الطريق، حيث شرعنا بتنفيذ ما يخصنا من التزامات بموجب تلك الخطة، وقطعنا شوطاً هاماً في هذا المجال.
ولكن، وفي نفس الوقت الذي نؤكد فيه حرصنا واستعدادنا لتحمل كافة المسؤوليات، وتطبيق كافة الالتزامات المتعلقة بنا، فإن على الجانب الإسرائيلي أن يقوم بدوره بتحمل مسؤولياته والإيفاء بالتزاماته، طبقاً لما نصت عليه خطة خريطة الطريق بصورة تبادلية تزامنية.
لقد مثلت قمة شرم الشيخ الخطوة الأولى بهذا الاتجاه، ورغم نتائجها المتواضعة، إلا أننا مازلنا ننتظر أن يتجاوز الموقف الإسرائيلي حالة التردد والتلكؤ التي تعتريه، وينفذ ما تم الاتفاق بشأنه تعزيزاً للثقة ولمبدأ التبادلية، وبما يفتح المجال أمام خطوات أوسع في نطاق تطبيق خريطة الطريق، وصولاً لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م.
إن استمرار المراوغة والتسويف الإسرائيلي، إلى جانب الكثير من الممارسات الميدانية العدوانية، خاصة على صعيد جدار الفصل والاستيطان، والتمادي في سياسة الإغلاق وتقطيع الأوصال والعقاب الجماعي والاعتقال، لن تبقي على جذوة الأمل، ولا تخدم استئنافاً حقيقياً جدياً لعملية السلام.
إن عملية السلام بحاجة ماسة لتحقيق تقدم نوعي يسهم فعلياً في ترسيخ العودة إلى مسارها وتدرجها المتلاحق السريع المتكامل، بما يفضي إلى الخوض في قضايا الوضع النهائي، بموجب خطة خريطة الطريق، وخاصة ما تضمنته الخطة من إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، بزوال الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967م، وحل قضية اللاجئين حلاً عادلاً متفقاً عليه، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
الأخوات والإخوة،
وعلى ضوء ما تقدم، فنحن أحوج ما نكون لمضاعفة جهودكم وتحركاتكم، لإسناد ودعم هذا التوجه، وهذه المبادرات الفلسطينية، وما أحوجنا لتضافر الجهود المشتركة على كافة المستويات الرسمية والأهلية، وتكثيفها لتوفير مناخ دولي ضاغط بصورة جدية ومؤثرة، سريعة وفعالة، للبدء بتطبيق خطة السلام الدولية، ممثلة بخريطة الطريق، لتمكين شعبنا من ممارسة حقه المشروع في تقرير مصيره وبناء دولته، ولمساعدة شعبنا في إعادة بناء ما تسبب فيه العدوان الإسرائيلي من دمار هائل، إلى جانب الخسائر البشرية والمادية الفادحة، ولمساعدة شعبنا في تحقيق خياره الحر بالسلام، وبناء الدولة المستقلة ذات السيادة الكاملة على أسس متينة من الحرية والديمقراطية.
كلنا ثقة بأنكم لن تدخروا أي جهد لنصرة قضية شعبنا، التي هي قضيتكم، قضية الأمة العربية والإسلامية، قضية التضامن الأفرو- آسيوي وعدم الانحياز الأساسية، قضية العدالة والإنسانية الحقة جمعاء.
وأخيراً، وإذ أكرر لكم أطيب تحياتي، شاكراً لكم دعوتكم الكريمة، لأرجو لكم كل التوفيق في تحقيق الهدف النبيل الذي تجتمعون من أجله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.