كلمة السيد الرئيس محمود عباس أمام القمة العربية في الجزائر
كلمة السيد الرئيس محمود عباس أمام القمة العربية في الجزائر
22/ 3 2005
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى:" واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا"
صدق الله العظيم
فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة،
رئيس القمة العربية،
أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والسيادة،
القادة العرب،
معالي السيد الأمين العام،
السادة أعضاء الوفود،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدني أن أتقدم بالتهنئة إلى فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لتسلمه رئاسة القمة متمنياً له التوفيق، واثقاً من نجاحه الأكيد في هذه المهمة، كما أحيي فخامة الرئيس زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية التونسية على رئاسته الناجحة للقمة السابقة. وأيضاً أتقدم بالشكر والتقدير لمعالي السيد عمرو موسى والأمانة العامة لجامعة الدول العربية على عملهم الدؤوب والخلاق لإنجاح أعمال هذه القمة. وأود هنا أن أتقدم بالشكر والتقدير للجزائر رئيساً وحكومة وشعباً على كرم الضيافة وحسن الإعداد. إن انعقاد هذه القمة على أرض الجزائر التي لها في قلوبنا وأفئدتنا جميعاً موقع خاص ومتميز، يزيدنا تصميماً على الخروج بأفضل النتائج التي تتوخاها شعوبنا العربية.
فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة،
رئيس القمة العربية،
أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والسيادة،
القادة العرب،
اليوم ونحن نجتمع مجدداً تحت سقف بيت العرب، جامعة الدول العربية، التي نحتفل هذه الأيام بالذكرى الستين لتأسيسها، ندرك أننا نمر في لحظة تاريخية بالغة الأهمية، نواجه فيها جملة من التحديات المصيرية، التي تتطلب منا التوافق على صياغة موقف عربي موحد، وإجابات محددةً على ما يواجهنا من معضلات، واعتماد وسائل وهياكل ومنظومات عمل تكفل تطوير الأداء وتفعيل الجهد المشترك. فأمتنا العربية بتاريخها وبإمكاناتها وبقدرات وطموحــات دولها وشعوبها قادرة بالتأكيد على حماية مصالحها، وتثبيت موقعها المستَحَق، وإسهامها الحضاري المتصل في عالم علينا أن نحسن قراءة متغيراته المتلاحقة.
وانطلاقاً من إيماننا جميعاً بأن قضية الشعب الفلسطيني واسترداد حقوقه المشروعة هي القضية المركزية لدولنا العربية، فإنها بالتالي تشكل وبالتأكيد نقطة توافق حول واحدٍ من أهم مرتكزات إستراتيجية العمل العربي في المرحلة المقبلة .
وإذ تنعقد القمة العربية للمرة الأولى بعد رحيل القائد الخالد الرئيس ياسر عرفات، أود أن أُعبر باسم الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية عن الشكر والتقدير لجميع الإخوة القادة، وللشعوب العربية على ما أبدوه وعبروا عنه من تضامن صادق مع شعبنا الفلسطيني خلال محنته برحيل الرمز والقائد أبي عمار، الذي كان وعلى مدى عقود أحد أركان ودعامات التضامن والعمل العربي المشترك.
وخلال الشهور الخمسة الماضية استطاع شعبنا الفلسطيني أن يجدد عزيمته ويثبت تماسكه ووحدته، فقدم عبر هيئاته الدستورية ومؤسساته وجماهيره نموذجاً مشرفاً للانتقال الديمقراطي والهادئ للسلطة، وباشر على الفور عاماً متصلاً من الاستحقاقات الانتخابية، دشنه بالانتخابات الرئاسية ثم المحلية، وسيواصله بالانتخـابات التشريعية في شهر تموز "يوليو" القادم.
وقد عبر شعبنا الفلسطيني بمشاركته الواسعة في هذه الاستحقاقات عن تمسكه بالخيار الديمقراطي، وجدارته وقدرته على بناء كيان وطني يليق بتضحياته وطموحاته، كما عبر أيضاً عبر الانتخابات الرئاسية عن تمسكه بحقوقه الوطنية الثابتة، وبخيار السلام العادل، وبما طرحناه من برنامج للعمل الداخلي، يؤكد على سيادة القانون والإصلاح والتعددية السياسية، وتوفير الأمن والأمان للمواطن في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية. وخلال الشهور الماضية عملنا بدأب على عدة أصعدة وفق رؤية محددة تستهدف نقل القضية الفلسطينية إلى موقع الفعل والمبادرة بالهجوم السياسي والدبلوماسي والإعلامي، ونزع الذرائع التي يتسلح بها الجانب الإسرائيلي لمواصلة عدوانه وحملات التدمير والقتل والحصار. وباشرنا العمل على إفشال التشويه المتعمد لنضالنا الوطني، وإحباط المحاولات المحمومة التي أرادت استعداء العالم ضد حقوقنا، ووصم نضالنا التحرري ومقاومتنا المشروعة بالإرهاب.
وبفضل التحلي بأعلــى درجات الإحساس بالمسؤولية توافقت الفصائل والقوى الفلسطينية تحت مظلة منظمة التحرير والسلطة الوطنية على خطوات محددة للتهدئة، تدعم هذه الرؤية التي تنزع الذرائع الإسرائيلية، وتخدم المصالح الوطنية العليا لشعبنا. وقد تكرس هذا النهج في مؤتمر الحوار الوطني الناجح، الذي استضافته واحتضنته طيلة السنوات الأربع الماضية وساهمت في إنجاحه جمهورية مصر العربية، وتوج هذا المؤتمر بإعلان القاهرة.
وقد حظيت نجاحات شعبنا في أداء وممارسة الاستحقاقات الديمقراطية وفي اعتماد موقف موحد بالتهدئة بالتقدير الكبير من قبل المجتمع الدولي، حيث وبمبادرة من السيد "توني بلير" رئيس الوزراء البريطاني عقد مؤتمر لندن لدعم السلطة الوطنية الفلسطينية بمشاركة دولية وعربية واسعة، وصدرت عن المؤتمر قرارات هامة بتقديم الدعم السياسي والاقتصادي للشعب الفلسطيني لإعادة بناء ما دمره الاحتلال الإسرائيلي. وقد سبق ذلك ونتيجة لانتقالنا إلى موقع المبادرة السياسية للتحرك نحو تنفيذ الاتفاقات، أن بادر فخامة الرئيس محمد حسني مبارك بعقد قمة شرم الشيخ وبحضور جلالة الملك عبد الله الثاني والتي أكدت على خطوات إيجابية عدة طبق بعضها ولا زال البعض يخضع للتلكؤ الإسرائيلي.
وهنا نود أن نؤكد أمام مجلسكم الكريم أن مواصلة إسرائيل لسياسة الاستيطان، وبناء جدار الفصل العنصري، على الرغم من الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، وإحكام حصار القدس بالمستوطنات والجدار، واحتجاز آلاف الأسرى، تهدد بتدمير فرص إحياء عملية السلام. ونؤكد أيضا على أن يكون تنفيذ الالتزامات متبادلاً. ونشدد على أن ما نقوم به من جهود أمنية يتطلب إحياءً فورياً لمسار سياسي يعيدنا إلى طاولة المفاوضات، لتنفيذ أهداف عملية السلام، وخطة خارطة الطريق.
فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رئيس القمة العربية،
أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والسيادة،
القادة العرب،
إن شعبنا الفلسطيني إذ يستمر في تدعيم وحدته الوطنية في إطار منظمة التحرير والسلطة الوطنية، وإذ يواصل برامج الإصلاح والبناء الداخلي، فإنه يؤكد على القضايا الأساسية التالية:
أولاً: أننا متمسكون بخيار السلام، كخيار استراتيجي، وباعتماد المفاوضات والوسائل السلمية للوصول إلى تسوية دائمة بيننا وبين الإسرائيليين. وإن التسوية الدائمة والشاملة التي نسعى إليها هي التي تؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجميع الأراضي التي احتلت العام 67، كي نقيم عليها دولة فلسطين المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، ولحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حلاً عادلاً ومتفقاً عليه وفق القرار 194، إنها التسوية التي تنفذ قرارات الشرعية الدولية، وتستند لمرجعية عملية السلام، ورؤية الرئيس الأمريكي جورج بوش، ولمبادرة السلام العربية التي أقرتها القمة العربية في بيروت العام 2002م، ومن ثم تجسدت في قرار مجلس الأمن 1515، والتي نثق أن قمتنا ستعيد التأكيد عليها كبرنامج عربي للسلام على المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية.
وهنا أود أن أستأذن مجلسكم الموقر بالتقدم باقتراح يرمي إلى تنشيط الاهتمام العالمي بمبادرة السلام العربية، وتعزيز المواقف الإيجابية التي صدرت عن الرئيس الأمريكي بوش، بشأن ضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة ومتصلة وقادرة على الحياة. ويتجسد تحديداً بقرار يتخذه مجلسكم الكريم بأن يقوم وفد رئاسي عربي بزيارة واشنطن، للتباحث مع الرئيس الأمريكي حول الحاجة الماسة والملحة إلى دور أمريكي فاعل، يترجم أقوال ومواقف الرئيس الأمريكي إلى أفعال وخطوات، ويسهم بشكل عملي في إيجاد الآليات التي تؤدي إلى تنفيذ خارطة الطريق ومبادرة السلام العربية، حيث أن الوقت ثمين والفرصة سانحة. كما نرى أن يقوم الوفد بجهد مماثل مع باقي أطراف اللجنة الرباعية. وفي هذا السياق نؤكد على أهمية التوجه الفوري نحو طاولة مفاوضات الوضع النهائي، لإنجاز حل شامل ينفذ قرارات الشرعية الدولية.
ثانياً: إن السلطة الوطنية على استعداد لبسط سيادتها وممارسة مهامها ومسؤوليتها فوق أي أرض فلسطينية تجلو عنها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وفي نفس الوقت نؤكد على أن أي انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة تطرحه أو تنفذه إسرائيل يجب أن يكون كاملاً، وأن يكون خطوة في سياق تطبيق خارطة الطريق. كما أن هذا الانسحاب يجب ألا يمس بالوحدة القانونية والسياسية بين الضفة والقطاع باعتبارهما وحدة جغرافية واحدة.
ثالثاً: إننا نؤيد التوجهات الرامية إلى تفعيل دور الجامعة العربية، كبوتقة تنصهر داخلها جميع الجهود التي تسعى إلى توحيد كلمة العرب، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً في عصر التكتلات الكبيرة والتجمعات العملاقة.
ونحن في هذا المجال نقف إلى جانب المقترحات التي تجسد السعي إلى إدخال التعديلات الدستورية على آلية اتخاذ القرارات داخل مؤسسات الجامعة العربية، كما نتطلع إلى قيام البرلمان العربي أسوة بشعوب أخرى وخاصة الأوروبية وذلك من أجل إتاحة الفرصة للإرادة الشعبية العربية لتسهم في تعزيز وحدة وطننا العربي.
رابعاً: إننا في فلسطين، نتابع بقدر كبير من الاهتمام، ما يدور حولنا وخاصة في البلدين الشقيقين لبنان والعراق.
وأؤكد هنا أمامكم، وباسم الشعب الفلسطيني، وخاصة تلك الشريحة المقيمة على أرض لبنان، بأننا لن نكون تحت أي ظرف إلا ضيوفاً على هذا البلد الحبيب، الذي أعطى الكثير للقضية الفلسطينية، وتحمل التضحيات الجسام من أجلها، إننا نؤكد لأشقائنا في لبنان رفضنا المطلق للتوطين، فلبنان لأهله ونتمنى له كل الخير.
وبالنسبة للعراق، فإننا كفلسطينيين، لن ننسى تضحيات الشعب والجيش العراقي من أجل فلسطين، وعلى أرض فلسطين. لذلك ونحن نشعر بالألم لكل قطرة دم تسيل على أرض هذا البلد الشقيق، ندعو الله أن يحفظ العراق ديمقراطياً موحداً، وأن يعود سنداً قوياً لكل قضايا أمته العربية. كما وأننا من هذا المنبر نؤكد إدانتنا الكاملة للإرهاب بكافة أشكاله، وبشكل خاص ما تتعرض له بعض الأقطار العربية الشقيقة.
فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رئيس القمة العربية،
أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والسيادة،
القادة العرب،
لقد خلّفت الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد شعبنا خلال السنوات الماضية حالة واسعة من التدمير للبنية التحتية والمرافق الاقتصادية المختلفة، وهدم البيوت ومصادرة الأراضي لصالح بناء المستوطنات والجدار العنصري، إن هذا كله ألحق أضراراً كارثية باقتصادنا الوطني، ووسع دائرة الفقر، ودائرة العاطلين عن العمل. كما خلّف هذا العدوان آلاف الشهداء والمعاقين والجرحى والأسرى.
إن ما أقرته القمم العربية من دعم مادي لسلطتنا وشعبنا خلال السنوات الماضية لعب دوراً حاسماً في تعزيز صمود شعبنا الفلسطيني، وفي تفادي انهيار اقتصادي واجتماعي شامل. وشعبنا لن ينسى أبداً هذا الإسهام الثمين من إخوانه العرب وهو يدافع عن وجوده في الأرض المقدسة، وفي القدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. ومع ثقتنا الأكيدة بأن أشقاءنا سيواصلون تقديم هذا الدعم، فإننا وبسبب هذه الظروف الاستثنائية نتطلع إلى المزيد لأن شعبنا في حاجة ماسة لها.
وفي الختام أؤكد الثقة بقدرتنا على الخروج من اجتماعنا هذا بقرارات وبرامج عمل واستراتيجيات ُتدشن مرحلة جديدة من العمل العربي المشترك، تتعامل بإقتدار وحكمة مع ما يواجه امتنا من تحديات. وفقنا الله جميعاً لما فيه مصلحة شعوبنا وأمتنا العربية المجيدة.
بسم الله الرحمن الرحيم
"كنتم خير أُمة أُخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"
صدق الله العظيم.