الرئيسية » خطابات الرئيس محمود عباس »

الرئيس يوجه رسالة متلفزة إلى الشعب الفلسطيني

29 تشرين الثاني 2011

الرئيس يوجه رسالة متلفزة إلى الشعب الفلسطيني

بسم الله الرحمن الرحيم

يا جماهير شعبنا الفلسطيني الصامد الصابر

 

أتوجه إليكم في هذا الشهر الفضيل شهر المحبة والتواصل والتراحم بتمنياتي لكم بأيام أفضل التي نعيشها. لقد وقعت أمس واليوم مواجهات مؤلمة ودامية بين أفراد من منتسبي الأجهزة الأمنية وأفراد القوة التنفيذية تسببت في وقوع عدد من الشهداء والجرحى من الضحايا الأبرياء في شوارع مدن قطاع غزة وأنذرت بان وحدتنا الوطنية في خطر ومهددة بأوخم العواقب.

 

إن هذه المواجهات وما صاحبها من نزف للدماء قد تجاوز إحدى المحرمات وأفظع الكبائر التي نجح شعبنا ونجحت ثورته وقواه على امتداد أربعة عقود رغم كل الخلافات والاختلافات والتدخلات لتجنبه وتحريمه وجعله خطاً احمر لا يقوى أي كان ومهما كانت الأسباب على تجاوزه او حتى الاقتراب منه.

 

إن ما جرى في قطاع غزة من مواجهات وصدامات ينذر بان شروخا وصدوعا اجتاحت ثقافة الحوار وحق الاختلاف والاحتجاج التي رسخها شعبنا عبر مسيرته الكفاحية الطويلة وهو ما يهدد حياتنا الديمقراطية، ويضع شعبنا قبالة خطر الاستبداد والمصادرة والإقصاء.

 

إنني في الوقت الذي أدين فيه بأقوى العبارات المواجهات الدامية وأتقدم بأحر التعازي من ذو ي ضحايا الأبرياء الذين سقطوا نتيجتها بغير ذنب اقترفوه، أؤكد وبحكم سلطاتي الدستورية التي يمنحني إياها القانون الأساسي على حماية حقوق كل مواطن في التعبير عن رأيه وحقه في الاختلاف والاحتجاج بما لا يتعارض مع القانون ودون المساس بمؤسسات شعبنا التي دفع ثمنها عقوداً طويلة من النضال والكفاح ومن دماء الشهداء في الوطن والشتات، كما أنني لن أتهاون ولن أغض الطرف عن أية جهة كانت شخصاً كان أو مؤسسات ومهما علا شانها بان تهدد مسيرتنا الديمقراطية التي يفاخر بها شعبنا، فالاحتجاج لا يقابل بالرصاص والاحتجاج لا يعني التخريب والتدمير وحرق المؤسسات.

 

وإنني من موقعي كرئيس للشعب الفلسطيني اعد بان أعمال العنف وسفك الدماء لن تمر عليها مرور الكرام، وسيحاسب كل من تسبب أو شارك بها بالقول أو بالفعل وقد أصدرت تعليماتي إلى الأخ النائب العام لإجراء تحقيق شامل حول هذه الأحداث المؤلمة وإحالة كل من تثبت علاقته بها إلى القضاء لينال عقابه الذي يستحق.

 

إن الفتنة التي استيقظت من رقادها، وتجولت في شوارع مدن قطاع غزة والضفة الغربية، و سقطت وسفكت الدماء، وأوقعت الضحايا بمن فيهم أطفال أبرياء لم تكن صاعقة في سماء صافية، فقد سبقتها ومهدت لها حملات التحريض والشحن وسوق الاتهامات على عواهنها بلا سند، وهو ما يستدعي من جميع أبناء شعبنا وقواه الوطنية والإسلامية ومؤسساته الأهلية والشعبية وشخصياته وفعالياته التصدي بكل حزم لكل من تسول له نفسه استمرار الصدام الأهلي، واستطابة ثماره المحرمة مهما كانت الأسباب، وتعددت المسوغات والذرائع.

 

وفي هذا السياق، فإنني أجدد تأكيد التعليمات التي كنت أصدرتها يوم أمس إلى منتسبي الأجهزة الأمنية بالعودة إلى مواقع عملهم فوراً والقيام بواجباتهم فوراً والتوقف عن أعمال الاحتجاج والتظاهر، أؤكد اليوم تعليمات مماثلة لسحب القوة التنفيذية من الشوارع إلى مواقعها السابقة، وان تقوم الحكومة ورئيسها بواجباتهم في احتواء الأزمة بالطرق والأدوات السلمية والديمقراطية التي تليق بشعبنا وبتراثه النضالي العظيم.

 

إنني في هذه اللحظات التي يتهددنا فيها اشد المخاطر بما فيها التهديدات بشن عدوان إسرائيلي لإعادة احتلال قطاع غزة، أدعو إلى تضافر جهود مختلف فصائل العمل الوطني الفلسطيني إلى تعزيز لغة الحوار ورص صفوفنا، وترسيخ وحدتنا الوطنية في مواجهة الاحتلال والحصار الذي يطبق على شعبنا وقضيتنا للخروج من هذه الأزمة، التي تهدد مصيرنا الوطني، كما تهدد بتبديد انجازاتنا الوطنية، وتلقي بشعبنا في هاوية الاقتتال الأهلي. الأمر الذي يفرض علينا جميعاً الارتقاء إلى مستوى المسؤولية التي تمليها علينا المصالح الوطنية العليا لشعبنا، ومغادرة العقلية الفئوية الضيقة إلى رحابة فضاء وحدتنا التي تحثنا على الإسراع في تشكيل حكومة جديدة منسجمة مع الشرعيات الفلسطينية والعربية والدولية من اجل كسر الحصار المالي والسياسي والاجتماعي والأمني الذي يرزح تحته شعبنا الصامد. وستبقى مسيرتنا الوطنية مستمرة من اجل الحرية والاستقلال بالرغم من ما يعتريها هذه الأيام من شوائب وما يعترضها من صعوبات ولن تنكس الراية التي رفعها قوافل الشهداء والأسرى والجرحى وسوف يثبت شعبنا العظيم انه أقوى من كل المحن والمصائب والمعوقات.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ورحمة الله.