كلمة السيد في معهد نوبل في العاصمة النرويجية أوسلو
كلمة السيد في معهد نوبل في العاصمة النرويجية أوسلو
26-4-2006
السيدات والسادة رئيس وأعضاء معهد نوبل
السادة الحضور
الأصدقاء الأعزَّاء
أتوجه بالتحية إليكم جميعاً، وأشكركم على دعوتكم، كما يُشرفني الحديث في هذا المعهد الهام وأمام شخصيات لها خبرتها واهتمامها بقضايا الشرق الأوسط، وفي بلد كان له الإسهام التاريخي بتوقيع أول اتفاق فلسطيني إسرائيلي حمل اسم اتفاق أوسلو، أو اتفاق إعلان المبادئ في أوسلو، وهو اتفاق ما كان له أن يتم لولا الجهود الهائلة والمثابرة والساعات الطويلة التي قضاها عدد من المسؤولين النرويجيين، تحت قيادة المرحوم وزير خارجيتكم آنذاك رجل السلام والمبادئ الإنسانية يوهان هولست، ومعه جان أيجلاند، ومونا يوني، والرجل الديناميكي الذي لا يكلّ ولا يمل من أجل تحقيق هدف يؤمن به وهو تيري رود لارسن.
لقد قُدت فريقنا المفاوض تحت إشراف رئيسنا الراحل ياسر عرفات في تلك المفاوضات التي جرت بكل سرية وتوجت بتوقيعي على الاتفاق مع شيمون بيرس وزير خارجية إسرائيل آنذاك، في الاحتفال التاريخي الذي جرى في البيت الأبيض يوم 13 سبتمبر 1993.
تذكرون بلا شك حجم التغطية الإعلامية التي جرت لذلك التوقيع على الاتفاق، والآمال الكبيرة التي علقها العالم بأجمعه بأن يؤدي ذلك إلى إنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وهو أساس الصراع العربي- الإسرائيلي، فيحل السلام في منطقة الشرق الأوسط، بقيام دولتين على أرض فلسطين التاريخية هما إسرائيل وفلسطين، تتعايشان بأمن وسلام.
يُدرك كل مُطلِّع على تاريخ هذا الصراع بأن الجانب الفلسطيني قدم تنازلات كبيرة، لم تكن ممكنة لولا وجود قيادة فلسطينية شجاعة لها مصداقيتها، إذ إننا وافقنا بموجب اتفاقيات أوسلو التي لازلنا ملتزمين بها، على إقامة دولتنا الفلسطينية على 22 بالمائة من مساحة فلسطين التاريخية، وهي مساحة الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، والتي جرى احتلالهما من قبل إسرائيل عام 1967.
منذ توقيع ذلك الاتفاق ظهرت قوى معارضة له بين صفوف الشعبين، وفي حين بقيت قيادة منظمة التحرير التي وقعت الاتفاق تقود السلطة الفلسطينية، فقد حدث نقيض ذلك على الجانب الإسرائيلي إذ أدى اغتيال موقَع الاتفاق رئيس الوزراء السابق اسحق رابين، إلى وصول بنيامين نتنياهو لرئاسة وزراء إسرائيل والذي كان معارضاً ومعادياً للاتفاق، فاتبع سياسة التهرب من تنفيذ الاستحقاقات المترتبة على تطبيقه، بدءاً من الإسراع في التوسع الاستيطاني على أرضنا الفلسطينية، وإحكام الحصار على القدس الشرقية وتغيير معالمها لفصلها عن باقي الضفة الغربية، وسن مختلف القوانين العنصرية لإجبار المواطنين الفلسطينيين في هذه المدينة من مسيحيين ومسلمين على مغادرتها.
يُضاف إلى ذلك أن الأوضاع الاقتصادية الفلسطينية زادت سوءاً فمن جهة وُضعت العراقيل أمام حركة العمالة الفلسطينية في إسرائيل، ومن جهة أخرى لم تكن متوفرة لنا ظروفاً مناسبة لبناء اقتصاد فلسطيني يمكن أن يستوعب أعداد العمال الذين فقدوا عملهم، خاصة و أنه لا سيطرة لنا على حدودنا مع العالم الخارجي ولعدم وجود مطار أو ميناء، فإسرائيل بقيت تسيطر على حدودنا مع الدول العربية المجاورة، وهو ما تغير نسبياً في السنة الأخيرة بانسحاب إسرائيل من قطاع غزة، وإشرافنا بالتعاون مع المراقبين الأوروبيين على معبر رفح، ولكن الضفة الغربية تكاد تكون سجناً كبيراً، تتخلله عشرات الحواجز الإسرائيلية، وتنتشر في أرجاء الضفة عشرات المستوطنات.
كان لعدم الالتزام بتطبيق ما اتفق عليه بشأن تجميد الاستيطان أو إطلاق سراح الأسرى أو الانسحاب حسب الجداول الزمنية، نتائج مأساوية أسهمت في إدخالنا إلى دائرة الفعل ورد الفعل العنيف، فكان الاستخدام المفرط للقوة من جانب إسرائيل حيث استخدمت أحدث أنواع أسلحتها، واستحدثت أسلوباً جديداً وهو الاغتيال بواسطة صواريخ الطائرات التي أودت بحياة العديد من المواطنين الأبرياء وهم داخل بيوتهم أو يسيرون في الشوارع، وهو ما أسميه بحق شكلاً من أشكال الإرهاب، الذي يؤدي إلى إزهاق أرواح الأبرياء، وتعميق الكراهية.
لقد أدنّا الإرهاب والعنف من جانب المجموعات الفلسطينية منذ البداية، وكان بالإمكان تجنب الوصول إلى حمام الدم الذي دخلنا فيه خلال السنوات الماضية، لولا إصرار الحكومة الإسرائيلية على رفض التعاون الأمني معنا، بل تدمير مؤسساتنا وأجهزتنا الأمنية، والتصرف من طرف واحد، وبمنطق القوة فقط لا الحوار، وهو ما يمكن إدراجه ضمن السياسة الإسرائيلية المرفوضة من جانبنا بشأن الحلول أحادية الجانب، والتي تشمل إقامة دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة.
السيدات والسادة،
كثيراً ما يتردد على لسان قادة العالم، بأن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو المدخل لحل الكثير من الصراعات، إذ من شأنه أن يفقد الحركات الدينية المتعصبة مبرراتها وحججها، وسيؤسس لقيام شرق أوسط يكون منطقة أمان وازدهار، تتوفر لشعوبه إمكانيات النمو والتطور الاقتصادي، بدل الاستنزاف الهائل لموارد هذه المنطقة على التسلح، والسؤال ما الذي يعيق ذلك؟ وأين هي مسؤولية المجتمع الدولي وهيئاته والدول المؤثرة ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن؟
لا شك أنه كان بالإمكان إنهاء هذا الصراع منذ زمن بعيد لو تم تطبيق قرارات الأمم المتحدة بالإجماع على قاعدة الأرض مقابل السلام وإيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين بموجب قرار الأمم المتحدة 194، ولكن إسرائيل وكما يعلم الجميع تصرفت دائماً على أساس أنها فوق القانون الدولي، بل إنها كانت ولا زالت تشترط من هو الطرف الدولي الذي تقبل به ليكون شبه وسيط وليس وسيطاً كاملاً، حتى لو كان ذلك الطرف الولايات المتحدة الأمريكية التي تقدم لإسرائيل كل أشكال الدعم، والتي استعملت حقها في الفيتو عشرات المرات دفاعاً عن إسرائيل، ومنعاً لقرارات تُدينها.
لا أريد أن استعرض أمامكم عشرات المحاولات والمبادرات فأمامنا الآن خطة خارطة الطريق الدولية التي أصبحت قراراً لمجلس الأمن تحت رقم 1515، وهذه الخطة تتضمن كل الشروط التي توفر إمكانيات حل الصراع، والتي أسهم وزير خارجيتكم إسهاماً كبيراً في صياغتها، وقد أعلنا موافقتنا الفورية منذ أن تم عرضها على الرئيس الراحل عرفات، في حين أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون أربعة عشر تحفظاً عليها.
أعتقد أنه إن أُريد حل الصراع فيجب ألا يترك الطرفان لوحدهما مع وجود هذا الخلل بين محتل وواقع تحت الاحتلال، بل يجب الدعوة فوراً إلى مؤتمر دولي، تتم من خلاله المفاوضات المباشرة، على أساس قرارات الشرعية الدولية والاتفاقيات الموقعة، وتمارس المجموعة الدولية سواء كانت اللجنة الرباعية، أو أي إطار دولي آخر، دور الوسيط والحكم في نفس الوقت.
لابد من تحرك المجتمع الدولي وبسرعة، إذ إن إجراءات إسرائيل الأحادية الجانب التي تحاول من خلالها فرض تصورها وخريطتها التوسعية، بإقامة جدار الفصل العنصري، وتهويد القدس، ومصادرة الأراضي الفلسطينية ومنها منطقة غور نهر الأردن، سيؤدي عملياً إلى ضم أكثر من 58 بالمائة من مساحة الضفة الغربية لإسرائيل، والاستيلاء على المياه الجوفية الفلسطينية، وتحويل أراضينا إلى كانتونات معزولة لا تواصل جغرافياً بينها، مما يعني القضاء على أية فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة.
من هنا، ومن موقعي كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وكرئيس منتخب للسلطة الوطنية الفلسطينية، فإنني على أتم الاستعداد للبدء فوراً في مفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية، ويهمني أن أوضح بأن الانتخابات التشريعية التي جاءت بحماس إلى الحكومة لا تشكل عائقاً أمام المفاوضات، فالمفاوضات من صلاحيات منظمة التحرير التي وقعت كل الاتفاقيات السابقة مع إسرائيل.
السيدات والسادة
أيها الأصدقاء الأعزاء
إننا نتطلع إلى إقامة دولة فلسطينية تجسد حق شعبنا في تقرير المصير، وتكون واحة للأمن والأمان والاستقرار، والممارسة الحقيقية للديمقراطية؛ تعيش بسلام ووئام وجوار حسن، وفي إطار من الثقة والاحترام المتبادل، مع كافة دول المنطقة وشعوبها، بما في ذلك إسرائيل، نريدها دولة مسالمة تكرس جهودها لبناء الإنسان، وضمان التنمية البشرية المستدامة واضعة في سلم أولويتها تجسيد القيم الإنسانية كما أقرتها الأمم المتحدة.
ولا نريد وليست لدينا الإمكانيات، لإقامة دولة ذات قوة عسكرية، بل نطمح لإقامة مؤسسات أمنية وفقاً لأعلى المعايير الإنسانية الدولية، تحمي المواطن، وتحرص على حماية القانون وسيادته، إننا نرغب في تكريس كل ما يتوفر لنا من مال من أجل بناء مؤسسات تعليمية تربوية وثقافية، وبنية تحتية تسهم في تحقيق الرخاء والرفاه والتقدم لشعبنا، وترفع من مستوى معيشته؛ نريد قوة أمن تستطيع أن تكون حامية لتعهداتنا والتزاماتنا الدولية. وللوصول إلى هذه الغاية لابد أن ينتهي الاحتلال، ويرحل المستوطنون إلى ما وراء خطوط الرابع من حزيران لسنة 1967.
وبناءً على ما تقدم فإننا نُناشد المجتمع الدولي بشكل عام، وأوروبا على المستويين الفردي لكل دولة على حدة، والجماعي في إطار الاتحاد الأوروبي، بالاستمرار في تقديم كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي، لتمكيننا من تحقيق غاياتنا في إرساء السلام في المنطقة وجعله حقيقة ناجزة.
نُريد في فلسطين والعالم العربي عموماً، تفاهماً أفضل مع أوروبا، تفاهماً بين جيران يعيشون في عالم يتغير حيث أزالت العولمة كل الحدود.
إنني أرفض مفهوم صدام الحضارات، كما أرفض مفهوم صراع الأديان، وأنا من الداعمين للمبادرة الأسبانية بشأن تحالف الحضارات، ومن المُؤيدين لما رعاه الفاتيكان والمؤتمر الإسلامي بشأن الحوار بين الأديان. لا بد من توسيع دوائر الحوار والتواصل وتعميق المعرفة بالآخر، من أجل هزيمة التطرف سواء كان سياسياً أو دينياً أو عِرقياً.
إنني رغم كل الصعوبات أتطلع بتفاؤلٍ نحو المستقبل، ولدي إيمان عميق بأن أغلبية الفلسطينيين والإسرائيليين يريدون السلام فلا حل عسكرياً لهذا الصراع، وليس أمامنا من خيار آخر سوى العيش معا وجنباً إلى جنب في دولتين مستقلتين على هذه الأرض المقدسة للديانات السماوية الثلاث، لنجعل من القدس كما نحلم بها عاصمة لدولتي فلسطين وإسرائيل مفتوحة أمام كل المؤمنين ليمارسوا شعائرهم بحرية.
أشكركم على إصغائكم وآمل أن يصبح الحلم حقيقة.