كلمة السيد الرئيس أمام منتدى دافوس الاقتصادي
كلمة السيد الرئيس أمام منتدى دافوس الاقتصادي
25/1/2007
السيد الرئيس كلاوس شواب رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي،
السادة رؤساء وأعضاء الوفود المشاركة،
سيداتي وسادتي،
أحييكم جميعاً، وأتوجه بالشكر والتقدير العميق إلى السيد رئيس المؤتمر على دعوته الكريمة لنا للمشاركة في أعمال هذا المؤتمر، الذي أصبح منبراً عالمياً يستقطب جمعاً كبيراً من القادة السياسيين ورجال المال والاقتصاد، ممن أسهموا ويسهمون في صناعة حاضرنا الإنساني.. وأتمنى أن تؤدي المناقشات واللقاءات التي ستتم هنا، إلى إحراز تفهم أفضل لمشاكل عالمنا وهمومه السياسية والاقتصادية، حتى نتمكن من تحقيق حلم طالما راود الإنسان" عالم تسوده روح المحبة والاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة"..
إن إزالة أسباب التوتر والقلق السائدين، من شأنه أن يبعث الأمل لدى الشعوب في حياة أفضل، ويعزز معسكر السلام والاعتدال مقابل قوى التطرف، وأعتقد بأنكم تتفقون معي، بأن الشرق الأوسط هو المنطقة الأكثر حاجة الآن، لإزالة أسباب التوتر القائمة فيه، وأن قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تأتي في مقدمة النزاعات التي تحتاج إلى حل..
إنني مقتنع، رغم كل ما يبدو من صعوبات، بأن الأجواء مناسبة لاستئناف العملية السياسية التي يجب أن تفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة في حدود عام 1967، أي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وقطاع غزة، تعيش بأمن وسلام مع كل جيرانها، بما في ذلك دولة إسرائيل، وإيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 194..
إن الوصول إلى هذا الهدف لا يتطلب مبادرات أو قرارات جديدة، فهناك قرارات وتوصيات عديدة للأمم المتحدة ولمجلس الأمن الدولي، وهناك اتفاقيات تم توقيعها من قبل الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، كما أن أمامنا خطة خارطة الطريق التي تتضمن المبادرة العربية ورؤية الرئيس بوش بشأن حل الدولتين، وعليه فإن المطلوب، وبكل صراحة أن نحدد بداية الطريق ونهايتها وأن نبدأ المفاوضات..
إن الاتفاق على المرجعية الشرعية والقانونية، وهي بالأساس مبدأ الأرض مقابل السلام، ستمكننا من رؤية الضوء في نهاية النفق، بعد أن أثبتت التجارب التي مررنا بها، بأن نهج الاتفاقيات الجزئية، والإجراءات الأحادية إنما تعني الدخول في نفق لا تعرف نهايته وقد اقترحنا إنشاء قناة خلفية تتعامل مع قضايا المرحلة النهائية بمشاركة دولية، لأن مثل هذه القضايا تحتاج إلى حلول خلاقة من شأنها أن تنهي الصراع بشكل عادل وشامل ومتفق عليه.
السيد الرئيس،
السيدات والسادة،
إن حرصي على قيادة شعبي نحو السلام والمصالحة، هو ما يدفعني للحديث، وبشكل مختصر عن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المأساوية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ذلك أن هذه الأوضاع تقود إلى اليأس والإحباط، وتهدد بالقضاء على كل الجهود المخلصة لتحقيق السلام، فقد وصلت البطالة والفقر إلى معدلات غير مسبوقة، حيث يعيش 79% من أهالي قطاع غزة تحت خط الفقر، منهم 51% يعيشون في فقر شديد، والنسبة نفسها تقريباً في الضفة الغربية، ويعود سبب ذلك كله إلى السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الحدود، والقيود المفروضة على التنقل، والتدمير واسع النطاق للبنية التحتية، وزيادة تجزئة الأراضي الفلسطينية، ومن ثم تجزئة النسيج الاجتماعي الاقتصادي، وتقلص إيرادات الضرائب المحلية بسبب كثرة القيود المفروضة على النشاط الاقتصادي، وحرماننا من حق إعطاء تسهيلات دخول وإقامة المستثمرين، سواء كانوا عرباً أم أجانب، وتوقف إسرائيل عن إعطاء هذه التسهيلات منذ عام 1999..
من بين النتائج التي ترتبت على هذا الوضع، اتساع الفجوة ما بين دخل الفرد الإسرائيلي وجاره الفلسطيني، فنصيب الفرد الفلسطيني من الناتج المحلي الإجمالي يقل عن (800) ثمانمائة دولار، بينما يصل نصيب الفرد في المجتمع الإسرائيلي إلى عشرين ألف دولار، ولأن السوق الفلسطيني خاضع عملياً للسوق الإسرائيلي بالنسبة لأسعار البضائع والمنتجات، ونتيجة لتوقف صرف الرواتب للعاملين في مؤسسات السلطة بسبب الحصار، والآثار التي خلفها ذلك على مشاريع القطاع الخاص، وتوقف حركة السياحة والحجيج، فإن الأزمة الاقتصادية وصلت إلى كل بيت فلسطيني وإلى كل فئة من فئات الشعب..
ولولا مساعدات المجتمع الدولي التي خففت نسبياً من المأساة، لحدث انهيار تام للوضع الاقتصادي والاجتماعي، ويعود الفضل في ذلك أساساً إلى الدول الأوروبية والعربية التي تصل مساعداتها الطارئة عبر مكتبي، وإلى دول أخرى، أعبر لها جميعاً عن شكرنا وتقديرنا..
وتعلمون جميعاً أن المعاناة لا تقصر على الجانب الاقتصادي، فهناك الاعتقالات اليومية، وتجريف الأراضي، وإهانة المواطنين على عشرات الحواجز، والتوسع الاستيطاني، ومواصلة بناء جدار الفصل العنصري الذي وصف كأفعى تتلوى في الضفة الغربية، ملتهماً مزيداً من أراضي المواطنين الفلسطينيين، كما أن أخطر ما تقوم به إسرائيل، يتم في مدينة القدس المحتلة وجوارها، حيث يتم فصل المدينة عن محيطها الفلسطيني، وتتسارع خطوات وإجراءات أسرلتها من أجل خلق واقع يستبق نتائج المفاوضات.
حضرات السيدات والسادة،
بالرغم من كل ذلك وحتى لا تؤدي هذه الإجراءات إلى إحباط ويأس تامين، فقد حرصنا على إبقاء شعلة الأمل، وأن يستمر نضالنا في مساره الصحيح وبما يتوافق مع القانون والشرعية الدولية، فرفضنا وأدنا كل العمليات التي تستهدف المدنيين، ونبذنا الإرهاب بكافة أشكاله وصوره، وأدنا إطلاق الصواريخ التي لا تؤدي إلا إلى مزيد من التوتر والحصار، ونحن مصرون على تعزيز ثقافة السلام، وأن يكون التصدي للاحتلال من خلال المقاومة السلمية والجماهيرية، وأن تبقى يدنا ممدودة من أجل البدء في المفاوضات..
وأود الإشارة هنا، إلى الجهود التي بذلناها والنجاحات التي تحققت بالنسبة للتهدئة، التي أدت إلى انخفاض شبه كامل في العمليات المسلحة بما فيها إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، آملين أن تمتد التهدئة أو الهدنة لتشمل الضفة الغربية أيضاً، على أن يصحبها توقف إسرائيل عن عمليات الاغتيال والاعتقال، حيث أن عدد المعتقلين الفلسطينيين تجاوز العشرة آلاف، بينهم أطفال ونساء وشيوخ ومرضى، وكذلك أعداد كبيرة من المعتقلين الإداريين الذين لم تصدر بحقهم أية أحكام.
السيد الرئيس،
رؤساء وأعضاء الوفود،
إن مسؤولياتنا تجاه شعوبنا ومستقبلها تتطلب تبدل الأجواء السائدة الآن، ليحل مكان الخوف والقلق والشك، الثقة والتسامح، وأن يتم تنفيذ ما يتفق عليه بروح الاحترام للشريك..
لقد عقدت مؤخراً لقاءً جيداً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت، تحدثنا خلاله بكل صراحة عن مجموعة من القضايا، وتم الاتفاق على إجراءات ستقوم بها إسرائيل للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني، ونأمل أن يتحقق كل ما أعلن عنه من تسهيلات، سواء ما يتعلق بالحواجز، أم بأموالنا من عائدات الضرائب وغيرها من القضايا..
واسمحوا لي في النهاية أن أتطرق إلى موضوع الحكومة الفلسطينية، التي نشأت بعد انتخابات حرة ونزيهة لمجلسنا التشريعي، حيث طالبت الحكومة منذ البداية وبموجب كتاب التكليف، بأن تلتزم بالاتفاقيات والمرجعيات الفلسطينية والعربية والدولية التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية، كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ومرجعية السلطة الوطنية ومؤسساتها، بما في ذلك الحكومة..
إن أية حكومة جديدة سواء كانت من التنظيمات السياسية أو من كفاءات وطنية، يجب أن يتضمن برنامجها الالتزام بكل ما تم توقيعه من تعهدات، وأن تكون قادرة على فك الحصار وفتح الآفاق أمام التسوية السياسية، وإذا لم نتمكن من إقامة مثل هذه الحكومة، فإننا سنذهب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، ليقرر شعبنا الفلسطيني بحرية البرنامج والقيادة التي يريدها.
السيد الرئيس،
حضرات السيدات والسادة،
آن الأوان لحشد كل الطاقات الخيرة لنجعل من السلام حقيقة في الأرض المقدسة، ولنبدأ اليوم قبل الغد في مفاوضات جادة، أنا على أتم الاستعداد لها كرئيس للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الجهة الممثلة للشعب الفلسطيني، والناطقة باسمه، والمخولة بالتفاوض نيابة عنه..
لا شيء أهم من سلام يضمن الحياة لأبنائنا يهوداً وعرباً في الأرض المقدسة والشرق الأوسط، لتصبح هذه المنطقة الإستراتيجية من العالم واحة تعايش وتسامح لا بؤرة توتر وعنف.
أشكركم . . .
والسلام عليكم