الرئيسية » خطابات الرئيس محمود عباس »

خطاب السيد الرئيس في الذكرى الحادية والستين للنكبة رام الله

14 أيار 2009

خطاب السيد الرئيس في الذكرى الحادية والستين للنكبة رام الله

 

14/5/2009

 

بسم الله الرحمن الرحيم

يا أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والمنافي والشتات،

أخواتي وإخواني الأحباء،

 

واحد وستون عاماً مضت على النكبة التي حلت بشعبنا لتشكل مأساة لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، ولا زالت صورها ماثلة إلى يومنا هذا من اقتلاع وتشريد وقتل وسجون ومحاولة لمحو هويتنا وشطب وجودنا وبالرغم من ذلك لم تفقدنا كل هذه العذابات الثقة بأنفسنا وبعدالة قضيتنا، ولم تهن من عزيمتنا وتمسكنا بحقوقنا التي كفلتها لنا  الشرعية الدولية.

 

أتوجه إليكم جميعاً في هذا اليوم الذي نُحيي فيه الذكرى الحادية والستين للنكبة، بمشاعر الألم والأمل، وأُجدد لكم العهد بأننا مُتمسكون بثوابتنا الوطنية، بإقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وبحق لاجئينا في العودة ضمن حل عادل ومتفق عليه وفقا للقرار 194، فهذه ثوابت لا تنازل ولا مساومة عليها، وهي حقوق لنا أكدت عليها قرارات الأمم المتحدة وكل المبادرات الدولية من خطة خارطة الطريق وحتى أنابوليس، كما أنها جوهر مبادرة السلام العربية التي نتمسك بها، ونُطالب كل الأطراف بتبنيها وتطبيقها.

 

واحد وستون عاماً حاولت إسرائيل خلالها بكافة الوسائل إجبار الفلسطينيين على الاستسلام، وطمس هويتهم الوطنية، ولكننا هنا باقون، ومتجذرون في هذه الأرض، متشبثون بحقوقنا ومصممون على التخلص من الاحتلال البغيض.

 

يا أبناء شعبنا في الوطن والشتات،

 

نعلم أن العقبات كثيرة. ولعل أخطرها ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية اليوم، من تصعيد غير مسبوق لنشاطها الاستيطاني، الذي يستهدف الوجود العربي والإسلامي والمسيحي في القدس المحتلة، عبر استكمال  بناء جدار الفصل العنصري، وهدم منازل المواطنين  الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم، وسحب هوياتهم، وصولاً إلى تعريض المسجد الأقصى المبارك للخطر.

 

ولكننا كنا وما زلنا نُطالب بأعلى صوتنا أن على إسرائيل أن تلتزم بالإرادة الدولية وتتوقف فوراً عن هذه السياسة التي لن تؤدي إلا لاستمرار العنف، بل تصعيده ليشمل المنطقة بأسرها. وقد آن الأوان لأن تستجيب إسرائيل لنداء السلام العادل والشامل وتحقيق المصالحة التاريخية بين الشعبين على هذه الأرض المقدسة والمعذبة.

 

وليتذكر الجميع اليوم، وفي هذه المناسبة بأنه في الفاتح من يناير عام 1965 نهض شعبنا وأبطاله الميامين من تحت ركام النكبة، عندما كان يتراءى للبعض أن قضية فلسطين قد انتهت وأنها في أحسن الأحوال قضية لاجئين بأبعاد إنسانية.

 

فإذا بكوكبة من شباب فلسطين بقيادة قائدنا وشهيدنا الراحل ياسر عرفات تنهض كطائر الفينيق، فتحول ما كان يبدو مستحيلاً إلى واقع وحقيقة، وتقود منظمة التحرير الفلسطينية ممثل شعبنا الشرعي والوحيد، النضال بمختلف أشكاله، وفي كل الساحات، حتى تحقق بفضل هذا النضال الاعتراف بحق شعبنا في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.

 

أيتها الأخوات والإخوة في كل مدينة وقرية ومخيم في الوطن والشتات،

 

إن عقارب الساعة لن تعود أبداً إلى الوراء، ولن تذهب دماء الآلاف من شهدائنا هدراً، ولا عذابات الآلاف من أسرانا البواسل، فالاحتلال إلى زوال، والحرية قادمة بكل معانيها وأبعادها، وستقوم دولة فلسطين المستقلة، وسيأتي غد لن يبقى فيه لاجئ فلسطيني واحد يعاني في منافي التشرد، ولا أسير واحد في زنازين المحتل.

 

لم نحقق ما حققناه بالتمنيات وإنما بالعمل الجاد، وباستعمال العقل والحكمة.

 

إن مسيرتنا لا زالت مستمرة لتحقيق أهدافنا. ومن أولى متطلبات انجاز ذلك، الحفاظ على وحدتنا الوطنية، وإحباط كل محاولة للمساس بشرعية تمثيل شعبنا.

 

ولهذا فإن استعادة وحدة الوطن، وإنهاء حالة الانقسام والانفصال في غزة هاشم، قطاعِنا الحبيب الذي مثل مدرسة في الصمود والإباء والتضحية ضد الاحتلال الغازي الإسرائيلي والهجمات الإسرائيلية التي وقعت وتقع عليه، هو أول ما نسعى إلى تحقيقه من خلال الحوار الوطني الذي ترعاه مشكورة الشقيقة مصر.

 

فوحدتنا الوطنية وتمتين علاقاتنا مع أشقائنا العرب، وكسب أوسع تأييد دولي لقضيتنا، هي متطلبات لا غنى عنها لتحقيق النصر.

 

لقد تعلمنا من تجاربنا دروساً يجب أن لا ننساها وأهمها عدم الانجرار إلى محاور أو السماح باستعمال قضيتنا في خدمة أجندات، سواء كانت إقليمية أو غير إقليمية.

 

إنني على ثقة اليوم وبعد واحد وستين عاماً من النكبة بأن الفجر آتٍ، وبأن الدولة قادمة، هذه حتمية التاريخ. إن كل احتلال إلى زوال، ولا يضيع حق وراءه مُطَالِب.

 

إننا ننشد السلام العادل، وعلى قادة إسرائيل بعد كل هذه السنين، أن يُدركوا بأن القوة مهما عظمت، لن تحل هذا الصراع. وبأن الاستيطان والحواجز والجدار والحصار، لن تقتل إرادة الشعب الفلسطيني وتصميمه على نيل حريته واستقلاله.

 

فلنوفر على شعوبنا المعاناة ونختصر الزمن، لنحقق ما يضمن الحياة الآمنة والاستقرار والازدهار لشعبنا ولكل شعوب المنطقة.

 

إن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وحل قضية اللاجئين وفق مبادرة السلام العربية، سيكون الحد الأدنى لرفع الظلم التاريخي الذي أوقعته النكبة بشعبنا المناضل.

 

أيتها الأخوات والأخوة،

يا أبناء فلسطين في كل مكان،

 

في هذه الذكرى نترحم على أرواح شهدائنا الأبرار وعلى رأسهم شهيدنا الخالد أبو عمار. ونتقدم بالتحية إلى أسرانا البواسل وعائلات الشهداء والأسرى. ونُجدد العهد بمواصلة المسيرة حتى قيام دولتنا المستقلة، دولة فلسطين الحرة الأبية بعاصمتها القدس الشريف، وتحرير جميع الأسرى وعودتهم إلى أهلهم وذويهم.

 

وستبقى أعلام فلسطين مرتفعة عالياً على رُبى وجبال وشواطئ بلدنا العظيم، وستعلو في يوم قريب فوق أسوار قدسنا الشريف والأقصى المبارك وكنيسة القيامة وكل موقع مقدس وعزيز في وطننا.

 

فإلى الأمام يا شعبنا المناضل، وليكن الصمود والإصرار والثبات هو عنوان مسيرتنا كما كنا منذ أكثر من أربعين عاما،ً منذ انطلقت ثورتنا المباركة.       

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته