خطاب السيد الرئيس في انعقاد ملتقى القدس الدولي بالعاصمة المغربية - الرباط
خطاب السيد الرئيس في انعقاد ملتقى القدس الدولي بالعاصمة المغربية - الرباط
28/10/2009
بسم الله الرحمن الرحيم
zzz*zسبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا
حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصيرzzz*z
صدق الله العظيم
معالي السيد وزير الشؤون الخارجية والتعاون ممثل جلالة الملك محمد السادس،
دولة الوزير الأول،
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة الحضور،
يلتئم هذا الاجتماع الهام تحت رعاية صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، هذه اللجنة التي يعود لرئاستها منذ تشكيلها فضل تقديم وتوفير المساعدات لعدد كبير من المشاريع التي تدعم صمود وبقاء المقدسيين حماة وحراسا لمدينتهم ولأقصاها المبارك، ولكنيسة القيامة، فشكراً لجلالتكم وجزاكم الله كل خير، وأخذ بيدكم وبيد كل الأشقاء لمواصلة ومضاعفة الجهود لحماية القدس أمام الهجمة الاستيطانية التي استعرت بصورة جنونية في الأشهر الأخيرة، واستمرار الاعتداءات اليومية بأشكالها المختلفة من حفريات تحت المسجد الأقصى وبجواره، إلى مصادرة واحتلال مساكن المواطنين الفلسطينيين مسيحيين ومسلمين، وتدمير هذه المساكن أيضا وفرض الضرائب الباهظة المتعددة الأشكال، والحصار التام للمدينة بسبب جدار الفصل العنصري، وصولاً إلى الإعلان الصريح من قبل الحكومة الإسرائيلية الحالية بأنها تستثني القدس من المفاوضات، وأنها مصممة، خلافاً لكل القرارات الدولية والاتفاقيات السابقة، على المضي في سياساتها التي ستشعل نيران حرب ذات أبعاد دينية.
إننا من على هذا المنبر، وأمام هذا الجمع الموقر، وبالرعاية السامية لصاحب الجلالة رئيس لجنة القدس، نحذر وبصوت مرتفع بأن الوضع خطير جدا في القدس بعد أن مهد لذلك غلاة التطرف والاستيطان، وبغطاء رسمي، فأصبحت القدس عنوان المواجهة وموضوعها ومضمونها، فالاعتداءات ضد الإنسان وضد التاريخ وضد التراث الحضاري الإنساني، وضد المقدسات، وضد الشجر والحجر، ففي كل شبر من أرض القدس المباركة وما حولها يجري في هذه الآونة استهداف حقيقي وجدي مدروس ومخطط، يواجهه شعبنا بإمكانياته المحدودة بتصميم وعزيمة في التشبث بأرضه ومقدساته.
فبوركت كل السواعد الضارعة إلى المولى، وكل الصدور العامرة بالإيمان، وكل النفوس المنذورة للدفاع عن الأقصى والقدس، عزلاء إلا من الإرادة والإيمان بالله ثم بفلسطين، مرددة قول الزعيم الراحل ياسر عرفات zzz*zليس منا وليس بيننا من يفرط بذرة من تراب القدس الشريفzzz*z.
السادة الحضور،
لقد مثلت القدس على مر الزمن نموذجا للتعايش والسلام انطلق شعاعه إلى العالم بأسره، كي تعلو كلمة الله على جبروت الطغاة، وعدلُه على ظلمهم، ورحمته على أحقادهم، في هذه المدينة المقدسة تعانقت قباب الكنائس ومآذن المساجد، وهب أبناؤها، مسلمون ومسيحيون، دفاعاً عن عاصمة الروح والهوية، عاصمة دولة الشعب الفلسطيني الأبدية، لتبقى إلى الأبد عنواناً للسلام والإخاء والمحبة، ورمزاً للمثل الإنسانية النبيلة، وإن نصرتها اليوم، وهي تعيش هذه المحنة، إنما هي انتصار لتلك المثل والقيم، وروح الشرائع والعقائد، انتصار للسلم والاستقرار والتعايش بين الناس والثقافات والأديان رغم التنوع والاختلاف.
إننا إذ ندعو لنصرة القدس فإن السلام يبقى الهدف الأسمى لما نعلن وما نضمر، ليس أي سلام، بل السلام الذي يستجيب بالضرورة لحقوق شعبنا التي أقرتها الشرعية الدولية والاتفاقات الثنائية ومرجعيات عملية السلام والقانون الدولي.
ونقيض ذلك من يتنكر لهذه الحقوق ومن يتمادى في سياساته الاستيطانية والتهويدية فإنه يقرع طبول الحرب ويهدد الاستقرار في المنطقة والعالم.
لقد التزمنا بخيار السلام ولا زلنا، وعلى الرغم من ما ينتصب في وجه السلام من عراقيل متعمدة، ونؤكد أن ثمة فرصة لمفاوضات جادة وحقيقية مؤسسة على قرارات الشرعية الدولية، شاملة لقضايا الحل النهائي الست، وعلى رأسها القدس، ضمن جدول زمني ومرجعيات واضحة، تقود إلى الوصول لحل يضمن دولتين تعيشان بسلام وأمن جنباً إلى جنب.
وعملية من هذا النوع لا يمكن أن تصل إلى غاياتها، وربما لن يتاح لها الإقلاع أصلاً، طالما أن الاحتلال مستمر في رسم مستقبل الحل النهائي على قياس مصالحه التوسعية من خلال استيطانه وتهويده وممارساته اللاإنسانية.
إن السياسة الإسرائيلية القائمة على الإملاء وفرض الأمر الواقع واستباق نتائج المفاوضات لن نقبلها ولن نستسلم لها، ونعتقد أن المجتمع الدولي لن يقبل بها لأنها تخالف كل قراراته ومبادئه وقوانينه، وتكرس نموذجا من شأنه تدمير الأسس التي تضمنها ميثاق الأمم المتحدة بعدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، وتغيير الطابع الجغرافي والديموغرافي للأرض المحتلة عبر تهجير سكانها وإحلال سكان آخرين مكانهم.
إننا بذلك لا نضع شروطاً لاستئناف عملية السلام، بل نطالب الطرف الآخر بالوفاء بما عليه من التزامات نصت عليها الاتفاقات الثنائية وبخاصة خارطة الطريق التي أصبحت إطاراً دولياً معترفا به لعملية السلام، وكذلك مبادرة السلام العربية التي أصبحت مبادرة إسلامية.
إن الوقف الكلي للاستيطان وإجراءات التهويد، بخاصة في القدس، لا يشكل أساساً للشروع في عملية سلام جادة فقط، بل هو مؤشر على نجاح تلك العملية التي يجب أن تقود حتماً إلى دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي التي احتلت عام 1967، وعاصمتها القدس الشريف، وحل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين استنادا للقرار الدولي 194.
وأود أن أؤكد بثقة، أن شعبنا، الذي صمد وضحى وقاوم، سيمضي قدماً، في تعزيز بقائه وصموده ونضاله المشروع، بكل قدراته وإمكاناته، ولن يعدم الخيارات والبدائل، إذا ما واصلت حكومة إسرائيل، بسياساتها وممارساتها، تدمير إمكانات وفرص حل الدولتين، التي لم تزل قابلة للتحقيق إذا ما صح العزم وصدقت الإرادة.
لقد صمد شعبنا، وما زال، في وجه محاولات الاقتلاع والتهجير، وتجذر في أرضه رغم ما ارتكب ضده من جرائم، وثّقها تقرير القاضي غولدستون الذي كشف هول ما حدث في غزة خلال العدوان الإسرائيلي، الذي أودى بحياة المئات وهجّر الآلاف من أبناء شعبنا الصامد في القطاع الحبيب.
وها نحن صامدون في القدس وفي كل بقعة من أرضنا، متكلين على الله ومؤمنين بحقنا في الحياة الحرة الكريمة ومستندين إلى دعم أشقائنا وأصدقائنا المؤمنين بقيم الحرية والعدالة والسلام.
وهنا اسمحوا لي أن أتوجه بالشكر أولاً إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس لمواقفه وجهوده ودعمه الأخوي الأصيل ومن خلاله إلى الشعب المغربي الشقيق وكذلك الشكر والتقدير إلى الدول العربية والإسلامية والدول والشعوب الصديقة كافة، على ما قدمته وتقدمه من دعم سياسي ومادي يحفظه شعبنا لأصحابه بكل التقدير والامتنان.
واسمحوا لي أن أتقدم بالشكر والتقدير لجمهورية مصر العربية والرئيس حسني مبارك لرعايته الحوار الوطني الفلسطيني وحرصه على إنجاح هذا الحوار بهدف استعادة الوحدة وإنهاء معاناة شعبنا في غزة.
لقد بذلنا أيها الأخوة كل المستطاع من أجل إنجاح الحوار ووافقنا على الورقة المصرية دون تحفظ، دافعنا إلى ذلك الوحدة الوطنية التي لا يمكن الانتصار بدونها على التحديات، فيما تمسكت حماس بشروطها التعجيزية، وحاولت وتحاول إفشال الحوار وإفشال الجهود المصرية الخيرة، ومع استهجاننا الشديد لهذا الموقف فإن يدنا ما زالت ممدودة لإعادة اللحمة وإنهاء الانقسام لأن الوطن أغلى والقضية أسمى.
إننا نهيب بأشقائنا وأصدقائنا، الاستجابة لصرخة القدس واستغاثتها، بمضاعفة الجهد المنظم، والإسناد السياسي والمادي، بمختلف المجالات، بخاصة وأن القدس هذا العام، هي عاصمة الثقافة العربية.
السيدات والسادة:
نكرر الشكر لجلالة الملك والمملكة المغربية الشقيقة، على استضافته لهذا الملتقى، الذي تنظمه مؤسسة الشهيد الرمز ياسر عرفات بالتعاون مع وكالة بيت مال القدس في المغرب، الشهيد ياسر عرفات الذي لم تغب عن قلبه وعقله مدينة القدس لحظة في حياته، ولم تخل من ذكرها، رسالة من رسائله، أو كلمة من كلماته، حتى أستشهد في سبيلها.
إننا على ثقة أكيدة بأن قرارات ونتائج هذا الملتقى، ستسهم إسهاماً مباشراً في الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى، وكنيسة القيامة، وصولاً إلى تحقيق هدف قيام دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته