كلمة الرئيس محمود عباس أمام مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية بتاريخ
معالي الأخ الرئيس،،،
معالي السيد الأمين العام لجامعة الدول العربية،،،
السادة الوزراء سعادة السفراء،،،
أود بداية أن أتقدم بعظيم شكري وامتناني لتلبيتكم الدعوة لحضور هذا الاجتماع الذي يعقد في لحظات مصيرية تتطلب جهودنا المشتركة وتعزيز قدراتنا لتنفيذ ما نتخذه من قرارات، ويصادف اليوم 29 تشرين الثاني/ نوفمبر يوم التضامن العالمي مع شعبنا الفلسطيني، ومرور عامين على حصول دولة فلسطين على مكانه مراقب من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة.
التحية لكل الشعوب التي تقف مع السلام ومع حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، حقوقه الوطنية المشروعة وعلى رأسها حقه في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، وأنتهز هذه الفرصة لأقول المجد لشهدائنا الأبرار والحرية للأسرى البواسل والشفاء العاجل للجرحى الأبطال.
في اجتماعاتنا السابقة أصحاب المعالي والسعادة اتخذنا مجموعة من القرارات شملت، أولا: التوجه إلى مجلس الأمن بمشروع قرار عربي يتضمن تثبيت قيام دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ووضع سقف زمني لذلك.
ثانيا: قيام دولة فلسطين بتوقيع صكوك الانضمام للمواثيق والمعاهدات والبرتوكولات الدولية بما فيها محكمة الجنايات الدولية، وأعلمكم بهذه المناسبة أن هناك شكوى إسرائيلية مقدمة ضدنا شخصيا لمحكمة الجنايات الدولية الآن، أي أن الإسرائيليين سبقونا إلى هذا ورفعوا اول قضية ضدنا.
ثالثا: دعوة سويسرا الدولة الحاضنة لمواثيق جنيف لعام 1949 الأطراف المتعاقدة السامية للاجتماع لإنفاذ وتطبيق ميثاق جنيف الرابع لعام 1949 على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي الضفة بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، وقد قام معالي الأخ صباح الخالد الصباح، ومعالي الأخ نبيل العربي، والدكتور رياض المالكي، بزيارة إلى سويسرا لهذا الغرض، كما أرسلت رسالة بهذا الخصوص إلى الرئيس السويسري، ونعتقد إن هذا الاجتماع قد ينعقد في الشهر المقبل على مستوى المندوبين، ومجرد انعقاد هذا الاجتماع هو بداية طيبة للقضية الفلسطينية، لان هذه الدول في نيتها أن تضع موضع التنفيذ الميثاق الرابع من اتفاقيات جنيف، وهو الذي ينص على تجريم الدولة المحتلة في نقل سكانها إلى هذه الأراضي، أو نقل سكان الأراضي المحتلة إلى الخارج.
رابعا: دعوة السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون لوضع تصور شامل لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني في أراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967، وقد أرسلنا رسالة دولية له بهذا الخصوص، وهذه الرسالة تتفاعل الآن في أروقة الأمم المتحدة، واعتقد أن الأمين العام للأمم المتحدة سيضعها قريبا موضع التنفيذ.
خامسا: حث دول العالم التي لم تعترف بدولة فلسطين على القيام بذلك، وبهذا الصدد نثمن قرار مملكة السويد الاعتراف بدولة فلسطين، وتوصيات البرلمانات في كل من بريطانيا وايرلندا واسبانيا بهذا الشأن، وهناك دول أخرى، واعتقد أن البرلمان الأوروبي في طريقه إلى اتخاذ مثل هذا القرار.
وبهذا السياق أوجه عنايتكم إلى مشروع القرار المطروح أمام البرلمان الفرنسي، والذي يؤكد أن الوضع القائم خطير وغير قابل للاستمرار، ويدعو الحكومة الفرنسية إلى الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967، أي أن الدول الأوروبية التي سبق أن وقفت موقفا من الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، واعتبرت أن منتجات المستوطنات غير شرعية، لأنها تعتبر أن الاستيطان غير شرعي، بدأت تتحول أكثر فأكثر بالاتجاه الصحيح، لتقول إن الوضع في الأراضي الفلسطينية خطير وغير قابل للاستمرار، ولذلك لا بد من اتخاذ قرارات بهذا الشأن.
وكذلك المقال المشترك لوزيري خارجيتي فنلندا وايرلندا في جريدة ايرش تايمز في 26-11 قبل ثلاثة أيام، والذي أكد فشل الوساطة الأميركية، وعدم شرعية الاستيطان، ووجوب الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وان ذلك يتطلب جهدا جماعيا وأهدافا واضحة وجدولا زمنيا محددا، وأكد على ذلك البيان الصادر عن مجموعة الاشتراكيين والديمقراطيين في البرلمان الأوروبي الذي دعا إلى الاعتراف بدولة فلسطين حفاظا على عملية السلام.
وفي المقابل مع الأسف، أوصى مجلس الشيوخ الأميركي بتجميد المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية، وقاموا بتحميلي شخصيا مسؤولية العنف الأخير ضد الإسرائيليين، كما قامت مندوبة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة بتوزيع بيان مكتوب تدعو فيه الدول الأعضاء إلى عدم الاستجابة لدعوة سويسرا لعقد اجتماع الأطراف المتعاقدة السامية لمواثيق جنيف عام 1949. هذه التهم التي وجهت إلينا من قبل أعضاء في الكونغرس، أعلن مسؤول الأمن الداخلي الإسرائيلي في الكنيست بشكل واضح وصريح أنها اتهامات باطلة ولا أساس لها من الصحة، نحن لم نقم بتحريض احد لا سرا ولا علانية، ومع ذلك هناك توصية من مجلس الشيوخ الأميركي بتجميد المساعدات، نتمنى ألا يفعلوا.
وفي نفس الوقت، استمرت اتصالاتنا مع الإدارة الأميركية، بحيث أصبحنا نتواصل مع وزير الخارجية جون كيري بشكل يومي، كان آخرها اللقاء معه في عمان يوم 13-11 الجاري، حيث عقد اجتماع ثلاثي بين كيري، وجلالة الملك عبد الله الثاني، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، بخصوص التصعيد والاعتداءات الخطيرة على المسجد الأقصى المبارك، وهنا نثمن عاليا جهود جلالة الملك الذي يتابع هذا الموضوع باستمرار وإصرار لوقف الاعتداءات على المسجد الأقصى والأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية.
لقد طلبنا من كيري ما يلي: العمل معا على صيغة مشروع قرار لمجلس الأمن، نحن لا نريد أن نستبعد أحدا، ولا نريد أن يكون احد خارج الدائرة وبالذات الولايات المتحدة الأميركية، فإذا رغبت، ونتمنى أن ترغب، بأن تشارك معنا في مسودة مشروع القرار الذي سنقدمه، نحن جاهزون لهذا، وغير أميركا أيضا من الدول الغربية.
ثانيا: طلبنا منه الحصول من نتنياهو على التزام بوقف النشاطات الاستيطانية، والإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى المتفق على الإفراج عنهم، وإعادة مكانة مناطق zzz*zأzzz*z الأمنية والسياسية، لان إسرائيل تحتلها الآن، وقبول الانخراط الفوري في مفاوضات على الخارطة لتحديد حدود 67 بين الدوليتين، إذا وافقت إسرائيل على هذه الطلبات، نحن نجلس للمفاوضات، لكن لا نستطيع أن نجلس في مفاوضات دون وقف الاستيطان وغيره من الطلبات التي وضعنها، نحن لسنا في وضع قد نفرض شروطا، إنما نطالب بالمشروعيات التي تم الاتفاق عليها.
طلب الوزير كيري منا الانتظار وعدم القيام بأي خطوة، وذلك كان في مطلع شهر أيلول، ثم عندما التقيته في 23-9 في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية، وبعدها عندما التقيته في القاهرة يوم 12- اكتوبر، على هامش اجتماعات الدول المانحة لإعادة إعمار قطاع غزة، ثم أرسلت له وفدا الى واشنطن في مطلع نوفمبر، ثم التقيته في عمان كما أسلفت، وقلت له حرفيا: لم يعد بإمكاننا الانتظار أو التأجيل، هذه فكرة الانتظار والتأجيل من أجل التأجيل لم نعد نستطيع القبول بها، ونحن لا نهدد، ولسنا في مكان أن نهدد أحدا، ولا نقبل ولا نستطيع أن نهدد أحدا، نحن نتكلم بالمنطق والعقل والقانون.
لم يعد بإمكاننا الانتظار والوضع القائم غير قابل للاستمرار، خاصة أن الحكومة الإسرائيلية تزيد من اعتداءاتها واستيطانها وهدم المنازل والاستيلاء على الأراضي، وتهجير السكان، وفرض الواقع على الأرض، يعني كلما بنو بيتا يقولوا هنا حدودنا وهكذا، إذا حدود إسرائيل غير معروفة، ويبدو أنهم لا يريدون أن يخططوا حدودهم لأسبابهم الخاصة، وكذلك للتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى المبارك.
قلت لهم إذا لم نحصل على ردود من الحكومة الإسرائيلية حتى اجتماعنا اليوم سنطرح القرار رسميا على مجلس الأمن، وسنوقع صكوك الانضمام للمنظمات الدولية بما فيها محكمة الجنايات الدولية، وسنبدأ بتحديد العلاقات مع إسرائيل، من خلال وقف التنسيق الأمني، ودعوة إسرائيل -سلطة الاحتلال- لتحمل مسؤولياتها كاملة، وهذا ليس سرا حيث قيل للأميركان والإسرائيليين في عشرات المناسبات، إذن نحن هنا لا نذيع سرا بخطواتنا، وهذا إذا لم تحصل مفاوضات وقرار مجلس الأمن.
إن المكانة القانونية لدولة فلسطين منذ القرار التاريخي 67 لعام 2012، قد أصبحت دولة تحت الاحتلال إذا تغير الوضع القانوني من أراض متنازع عليها إلى ارض دولة تحت الاحتلال، ولذلك تنطبق علينا اتفاقية جنيف بالذات الاتفاقية الرابعة، وسنطالب الدول المتعاقدة باتخاذ الإجراءات اللازمة وتطبيق قراراتها على الاحتلال الإسرائيلي.
أوجه عناية معاليكم إلى الخلافات الحادة العلنية بين المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية وعدد من الوزراء من جهة، ورئيس الوزراء من جهة أخرى، حول الموقف السياسي العام منا، وحول ما برز من تباين عميق مما يسمى قانون يهودية الدولة، هناك قضيتان، الأولى: السياسة نحو السلام والمفاوضات، والثانية: عندما طرح نتنياهو يهودية الدولة برزت له أصوات كثيرة على رأسها رئيس الدولة ليقولوا: هذا الكلام غير مناسب ولا يجوز أن تطرحه.
وفي هذا الصدد، أريد اطلاعكم على أن الحكومة الإسرائيلية قدمت 5 قوانين عنصرية لتكريس الأبرتهايد، وهي أولا: قانون الطرق المعقمة أي النظيفة من الفلسطينيين، وهي أراض على حدودنا وبأرضنا في الضفة سموها الطرق المعقمة، وبمقتضى هذا القانون سيكون هناك 800 كلم طرق لا يحق للفلسطيني استخدامها. بماذا يذكرنا هذا؟
ثانيا: قانون الحافلات العامة لليهود فقط.
ثالثا: تطبيق القانون الإسرائيلي على مستوطنات الضفة الغربية، أي أن القانون إذا طبق يعني أن هذه المستوطنات ألحقت بإسرائيل، أي أنها أراض إسرائيلية لا نقاش فيها، سواء في قلب القدس أو في الضفة الغربية.
رابعا: قانون يهودية الدولة الذي أثير أكثر من مرة معنا، وقلنا: نحن نعترف بدولة إسرائيل، سبق هذا في عام 1993 في الاعتراف المشترك بين رابين وعرفات، ولن نقبل تغييرا أو تبديلا، وإذا كانت إسرائيل تريد أن تسمي نفسها ما تريد، فلتذهب إلى الأمم المتحدة، إنما أن تطلب منا وبالذات من الشعب الفلسطيني الاعتراف، لن نعترف بالدولة اليهودية إطلاقا، والحيثيات تمنعنا من حيث المبدأ والنهاية أن نعترف بدولة يهودية.
خامسا: قانون الولاء لدولة إسرائيل اليهودية، أيضا هذا القانون ماذا يفيد؟ إذا أراد شخص أن يرشح نفسه للانتخابات أو يذهب إلى مؤسسات الدولة، فيجب أن يقسم يمين الولاء لدولة إسرائيل اليهودية، وهذا سيعكس نفسه على البرلمان أو الكنيست، وهنا النواب العرب في الأحزاب العربية لن يستطيعوا التقدم للانتخابات وهو فصل عنصري بامتياز.
إن هذه القوانين تهدف إلى تكريس نظام الدولة الواحدة بنظامين، يعني دولة إسرائيل هناك الحرية والديمقراطية، وعندنا فقط يمكن التمتع بالحقوق المدنية والدينية، ومع الأسف هذا الكلام ورد في وعد بلفور وصك الانتداب البريطاني وعصبة الأمم، وما زالت إسرائيل ترى أن هذا هو الأنسب للفلسطينيين، حكم ذاتي ديني مدني لا أكثر ولا اقل، ولن يكون لهذا الجسم أي استقلالية إطلاقا.
القيادة الفلسطينية بمختلف فصائلها أقرت خطتنا هذه، وطلبت منهم الانتظار حتى نناقش هذه الخطوات معكم كما تعودنا، قراراتنا وخطواتنا تتم بالتشاور والتنسيق والاتفاق مع أشقائنا.
لم يعد بإمكاننا الانتظار والتعايش مع الوضع القائم zzz*zستاتيكوzzz*z، فحكومة إسرائيل تريدنا سلطة دون سلطة، وتريد احتلالها دون كلفة، هي محتلة لا تدفع شيئا ولا مسؤولة عن شيء، هو ارخص وأقدم احتلال بالعالم، وتريد إبقاء غزة خارج الفضاء الفلسطيني، لأنها تدرك أن لا دولة فلسطينية في قطاع غزة، ولا دولة فلسطينية دون قطاع غزة.
من هنا كانت حربها الإجرامية على القطاع في الصيف الماضي الذي راح ضحيته 2200 شهيد، و10000 جريح، ونحو و80 ألف بيت مهدم بشكل جزئي أو كلي.
نحن نبذل كل جد ممكن لإعادة الإعمار وتحقيق الوحدة من خلال العودة إلى إرادة الشعب بانتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة، تطبيقا لما تم الاتفاق عليه في الدوحة والقاهرة بتأييدكم ورعايتكم، وهذه الطريق الوحيدة للمصالحة، الالتجاء إلى صندوق الاقتراع، وبهذه المناسبة نقول لقد وصلنا من أشقائنا في قطر 200 مليون دولار من أصل المبلغ الذي تبرعت به قطر، فشكرا لها على هذا.
إنني أدرك ما قد يترتب على تنفيذ خطتنا من تبعات ونتائج، لكنني أصدقكم القول إن أخطر ما تواجهه القضية الفلسطينية ومشروعنا الوطني هو إبقاء الوضع على ما هو عليه zzz*zستاتيكوzzz*z، ولقد أعطيت الرئيس اوباما وكيري كل فرصة ممكنة، ومارست الانتظار والتريث، إلى درجة أطلق الناس على سياستنا الانتظار والتريث إلى متى؟
لم يعد لدينا شريك في إسرائيل، ولم يعد أمامنا سوى تدويل القضية الفلسطينية عبر تنفيذ الخطة التي اتفقنا عليها، وأنا على ثقة إننا سنحصل على دعمكم وتأييدكم، راجيا أن تضعوا قراركم بتوفير شبكة أمان مالية بقيمة مئة مليون دولار، سبق أن تحدثنا عنها، موضع التنفيذ، حرصا على استمرارنا في تعزيز صمود شعبنا على أراضي دولة فلسطين المحتلة في الضفة والقدس الشريف وقطاع غزة.