كلمة الرئيس محمود عباس في مؤتمر القمة الرابعة للدول العربية ودول أميركا الجنوبية المنعقد في الرياض
بدايةً أتوجه بخالص الشكر والتقدير لأخي خادم الحرمين الشريفين على دعوته الكريمة، لحضور هذه القمة الهامة، وكذلك على الاستضافة الكريمة من المملكة لهذه القمة، ولا يفوتني في هذا المقام، أن أعبر باسم شعبنا الفلسطيني، وباسمي شخصياً، عن أسمى مشاعر التقدير والامتنان، لما تقدمه المملكة العربية السعودية من دعم صادق، ومخلص، للقضية الفلسطينية، في المحافل الدولية كافة، إلى جانب دعمها المالي والاقتصادي، الكريم والمتواصل، الذي يسهم في تعزيز صمود شعبنا وثباته على أرضه، وحماية مقدساته، ونؤكد على تضامننا مع المملكة العربية السعودية في محاربتها للإرهاب.
كما ونعبر عن خالص الشكر والتقدير للبيرو، رئيساً وحكومة وشعباً، على استضافتهم القمة الثالثة، مثمنين عالياً جهودهم التي بذلوها، خلال تلك الفترة.
وأتوجه بصادق التقدير والعرفان لدول أميركا الجنوبية الصديقة، التي تفضلت مشكورةً بالاعتراف بدولة فلسطين، وقدمت دعمها المشرف لقضية شعبنا، عبر تصويتها في المحافل الدولية، وخاصة لصالح عضوية فلسطين، ورفع العلم الفلسطيني في الأمم المتحدة، ونقدر عالياً دعمها لجهود تحقيق السلام العادل في منطقتنا والعالم.
وأدعو الدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين، أن تقوم بذلك، فمن يؤمن بحل الدولتين، أن يعترف بالدولتين وليس بدولة واحدة، وإن شعبنا الفلسطيني، يعتز بعلاقات الصداقة التاريخية الراسخة التي تربطه مع بلدان قارتكم العتيدة.
وإننا لنتطلع إلى اليوم الذي ينتهي فيه الاحتلال عن دولة فلسطين، ليكون لنا شرف استقبال هذا المؤتمر وغيره في مدينة القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين الخالدة.
أيها الإخوة والأصدقاء، إن فلسطين، وبما يربطها من علاقاتٍ تاريخية بدول أميركا الجنوبية، وبما في ذلك، وجود جاليات من أصل فلسطيني، في دولكم الصديقة منذ عهود بعيدة، يمكنها أن تلعب دوراً متميزاً في إطار تنمية وتطوير العلاقات العربية – الأميركية الجنوبية، فهم يشكلون جسور تواصل وصداقة متينة مع العالم العربي، ويستطيعون أن يسهموا في تنمية وتطوير العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري والثقافي بين المنطقتين.
خادم الحرمين الشريفين،
أصحاب الجلالة والفخامة،
لقد حذرت على مدى السنوات الماضية، من مغبة ما يجري في القدس المحتلة وما حولها، من تضييق للخناق على أبناء شعبنا، وتغيير ممنهج لهوية القدس وطابعها التاريخي والديمغرافي، ومن انتهاكات المستوطنين والمتطرفين المحميين من قوات الاحتلال الإسرائيلي، لحرمة مقدساتنا المسيحية والإسلامية في القدس، وخاصة المخططات التي تستهدف المساس بالمسجد الأقصى، بهدف تغيير الوضع القائم فيه منذ ما قبل العام 1967 وما بعده. إن ذلك من شأنه أن يحول الصراع، من صراع سياسي إلى صراع ديني، ستكون عواقبه وخيمة على الجميع، وهذا ما لا نقبله.
وفي هذا المجال، نثمن عالياً الجهود التي يبذلها العاهل الأردني جلالة الملك عبد الله الثاني، لمجابهة مخططات الاحتلال الإسرائيلي في المسجد الأقصى المبارك، في مدينة القدس الشرقية المحتلة.
وحول ما تشهده بلادنا من أحداث، فإنني أجدد القول، بأن ذلك ناجم عن استمرار الاحتلال وانعدام الأمل بالمستقبل، وعن حالة الخنق والحصار والضغط المتواصل، وعدم نجاح المجتمع الدولي، برفع هذا الظلم التاريخي، وتلك المعاناة المتواصلة منذ أكثر من 67 عاماً التي يعيشها أبناء شعبنا.
خادم الحرمين الشريفين،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
تعلمون جميعاً بأن السلام هو غايتنا المنشودة، والذي نسعى إليه بكل عزم وتصميمٍ وإرادةٍ مخلصة، إلا أنه لم يعد من المفيد تضييع الوقت، في مفاوضات من أجل المفاوضات، خاصة بعد أن أفشلت حكومات إسرائيل المتعاقبة كل فرص السلام منذ مؤتمر مدريد، بهدف بناء المزيد من المستوطنات الاستعمارية، وإقامة جدران الفصل على أرضنا، ونهب مصادرنا الطبيعية، وفرض حقائق جديدة على الأرض، تعمق الاحتلال، فإلى متى ستظل إسرائيل، تضع نفسها فوق القانون.
وفي ظل قيام إسرائيل بتدمير الأسس التي بنيت عليها الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والأمنية معنا، فإن ذلك يجعلنا نؤكد مجدداً بأنه لا يمكننا الاستمرار في الالتزام بتنفيذ تلك الاتفاقيات وحدنا.
وفي هذا السياق، فإننا نتساءل حول المعنى المقصود من أن تدفع إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال بستمائة ألف من مستوطنيها للاستيلاء على أرض دولة فلسطين المحتلة، والإقامة فيها مع العلم بأن هذا العمل بحد ذاته هو جريمة حرب وفق معاهدة جنيف الرابعة للعام 1949.
وهنا أثمن عالياً ما قامت به دول الإتحاد الأوروبي تجاه منتجات المستوطنات الاستعمارية الإسرائيلية، وأدعو دولكم الصديقة في أميركا الجنوبية لاتخاذ إجراءات مماثلة بهذا الخصوص.
وفي هذا الصدد، فإننا سنواصل انضمامنا لعضوية المنظمات والاتفاقيات الدولية، بهدف صون حقوقنا، وسوف نمضي قدماً في الدفاع عن شعبنا الواقع تحت الاحتلال، عبر جميع الوسائل القانونية والسلمية.
خادم الحرمين الشريفين،
أصحاب الجلالة والفخامة،
إن المجتمع الدولي بأسره مطالب اليوم، وأكثر من أي وقت مضي، بتوسيع المشاركة الدولية لتحقيق السلام، وفق ما جاء في المبادرة الفرنسية، وتوفير الحماية الدولية لشعبنا الفلسطيني، وعبر قرار من مجلس الأمن وضمن سقف زمني محدد، يتضمن نيل حقوقه الوطنية العادلة، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود العام 1967، إلى جانب دولة إسرائيل لتعيشا في سلام وأمن وحسن جوار، وفي ظل الاحترام الكامل لميثاق الأمم المتحدة، ووفق قرارات الشرعية الدولية، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وفق القرار194، ومبادرة السلام العربية وكذلك الإفراج عن الأسرى كافة.
من ناحية أخرى، فإننا نتطلع لإقامة دولتنا على أسس عصرية وديمقراطية والالتزام بسيادة القانون، وحماية وحفظ حقوق المرأة، والمساواة بين جميع شرائح شعبنا دون تمييز عرقي أو ديني، ونشر ثقافة السلام والتسامح والحوار مع الآخر.
وفي هذا الصدد، فإننا مصممون على وحدة أرضنا وشعبنا، ونؤكد بأننا لن نسمح بحلول مؤقتة أو جزئية ونسعى جاهدين لتشكيل حكومة وحدة وطنية، تعمل وفق برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، وصولاً إلى الذهاب للانتخابات، وذلك على طريق إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية.
خادم الحرمين الشريفين،
أصحاب الجلالة والفخامة،
إن أيدينا لا زالت ممدودة للسلام العادل والقائم على الحق، وطبقاً للقانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، والاتفاقات الموقعة، ومبادرة السلام العربية، وقد آن الأوان لأن تتوقف بعض القوى الدولية عن المساواة بين الضحية والجلاد، لأن ذلك من شأنه إطالة عمر الصراع، وبث اليأس والإحباط، وإن شعبنا إن لم ينعم بحريته وكرامته وسيادته واستقلاله، فإن أحداً لن ينعم بها، فالسلام هو مصلحة فلسطينية وعربية وعالمية، وهو في المتناول إذا ما توفرت الإرادة والنوايا الصادقة لصنعه.
مرة أخرى أشكركم على حسن الاستماع، وأتمنى لمؤتمرنا هذا تحقيق أهدافه، وبما يدفع بالعلاقات العربية الأميركية الجنوبية نحو آفاق من النمو والتطور، ويعود بالنفع والفائدة المشتركة على جميع دولنا وشعوبها.
أجدد الشكر والتقدير والتهنئة للمملكة العربية السعودية الشقيقة على الجهود التي بذلتها في استضافة وتنظيم هذا المؤتمر العتيد، والتي كانت متميزة وناجحة بكل المقاييس.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.