كلمة الرئيس محمود عباس في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد في منطقة البحر الميت
صاحب الجلالة الأخ الملك عبد الله الثاني ابن الحسين،
فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي،
صاحبة الجلالة الملكة رانيا،
صاحب السمو ولي العهد،
أصحاب الفخامة والدولة والمعالي،
سعادة السيد كلاوس شوارب،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بداية، أشكركم يا صاحب الجلالة على دعوتكم لنا، ورعايتكم الكريمة لهذا المؤتمر الاقتصادي الهام، وأود أن أهنئكم وشعبكم الأردني الشقيق وحكومتكم الموقرة بحلول ذكرى الاستقلال للملكة الأردنية الهاشمية، والتي تصادف الخامس والعشرين من مايو الحالي، سائلين المولى عز وجل أن تحل عليكم هذه المناسبة وأنتم تنعمون دائمًا والأسرة الهاشمية الكريمة بموفور الصحة والسعادة، وعلى المملكة وشعبها العزيز بدوام التقدم والأمن والرخاء والاستقرار.
كما لا يفوتني أن أثمن دور المنتدى الاقتصادي العالمي، وقيامه بجمع كل هذه النخب من رجال الأعمال وممثلي الحكومات إلى جانب الاقتصاديين والأكاديميين، وما يمثله ذلك من قيمة في إغناء النقاش وتعميقه، وإتاحة الفرصة لتبادل الآراء وعرض الخبرات والتجارب الناجحة وتحقيق المنافع.
إن الأردن الشقيق يتمتع بمزايا فريدة، أبرزها الأمن والاستقرار والبيئة الاستثمارية الواعدة؛ إذ يتوفر فيه إمكانيات حالية واسعة وموارد بشرية ذات خبرة؛ هذا إلى جانب موقعه المتوسط الذي يشكل نقطة التقاء لقادة المال والأعمال والسياسية في المنطقة والعالم؛ الأمر الذي يجعل منه موقعًا مميزًا لجلب الاستثمارات الخارجية والعربية في مجالات السياحة والصناعة التجارة والتعدين.
إن طبيعة العلاقة الأخوية والاقتصادية التي ترتبط البلدين الشقيقين (الأردن، وفلسطين) تشكل أرضية صلبة لتطوير وتعزيز التعاون في مجالات السياحة الدينية والتبادل التجاري والطاقة والصحة؛ علاوة على التعاون الوثيق في المجال المصرفي؛ حيث تعمل في فلسطين العديد من البنوك الأردنية، والتي تشكل تجربة ناجحة في التعاون بين البلدين. ولدينا الثقة بأن العلاقات الاقتصادية بين البلدين ستشهد تطورًا أكبر في المستقبل عند زوال الاحتلال ونيل دولة فلسطين حريتها واستقلالها.
إن انعقاد هذا المؤتمر يأتي في ظل ظروف وأوقات حاسمة وعصيبة للمنطقة وشعوبها، التي تشهد حالة من الصراعات تحت شعارات مختلفة أشعلت نيران الفتنة الطائفية والتعصب الديني في بعض الدول، وأنتجت حالة من الفوضى والفشل في دول أخرى قد يتعرَّض كل منها لخطر التقسيم. هذا الأمر فتح المجال للعدد من المجموعات الإرهابية العابرة للحدود التي اتخذت من الدين ذريعة للقيام بأعمالها الإجرامية. وقد ترتب على هذه الصراعات أن تحمَّل الأردن الشقيق أعباء مالية واقتصادية كبيرة؛ جراء استقباله لأكثر من مليون ونصف المليون من المهجرين، وبخاصة من سوريا الشقيقة؛ وهو ما يستدعي من المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته، وزيادة دعمه للأردن؛ للتخفيف من أعبائه في استقبال واستيعاب هؤلاء اللاجئين، إلى حين عودتهم لأوطانهم.
صاحب الجلالة،
السيدات والسادة،
وعلى الصعيد الفلسطيني فإننا ماضون في بناء مؤسسات دولتنا وفرد معايير سيادة القانون والحفاظ على الأمن، واحترام حقوق الإنسان والمرأة، وفي إطار من التعددية السياسية، وعلى أسس الديمقراطية والمساءلة والشفافية. وإن توقيع دولة فلسطين لعدد من المعاهدات والمواثيق الدولية ليس موجهًا ضد أحد؛ بل هو تأكيد على رغبتنا في موائمة عمل مؤسساتنا وتشريعاتنا الوطنية وفقًا للمعايير الدولية. ومن ناحية أخرى، فإننا نعمل على تذليل العقبات والعراقيل التي تحول دون تنظيم الانتخابات الفلسطينية؛ ومن أجل ذلك فإننا مستمرون في توحيد أرضنا وشعبنا وتحقيق المصالحة الوطنية. وقد كلفنا الحكومة الفلسطينية بالعمل المتواصل على توفير الأموال من المانحين لإعادة إعمار غزة، رغم العقبات التي تعترض سبيلها.
وفي نفس الوقت فإننا نتابع أوضاع أهلنا في مخيم اليرموك، وأوفدنا العديد من الوفود الفلسطينية حاملة المعونات الإنسانية، وبالتعاون مع الأمم المتحدة والعديد من الحكومات والمنظمات الدولية التي نشكرها وندعوها للاستمرار في تقديم المزيد من مساعداتها. ونحن لا ولن نتدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية وغير العربية، آملين من الله -عز وجل- أن تتمكن من تجاوز المحن والمصاعب؛ ما يضمن سيادتها ووحدة أراضيها واستقرارها.
صاحب الجلالة،
في هذه المناسبة نؤكد التجديد على تمسكنا بخيار السلام الشامل والعادل وخيار الدولتين اللتين تعيشان جنبًا بجنب بسلام وأمن وحسن جوار، وعلى أساس القرارات الدولية، ومبادرة السلام العربية والاتفاقات الموقعة بين الجانبين، وقيام دولة فلسطين المستقلة وذات السيادة على حدود العام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وحل جميع قضايا الوضع النهائي، بما فيها قضية اللاجئين، والإفراج عن الأسرى، وكله استنادا لقرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة.
إن ما يمنع تحقيق هذا السلام المنشود هو استمرار إسرائيل في الاحتلال والاستيطان وفرض الأمر الواقع، مستندة لغطرسة القوة. ونود أن نؤكد رفضنا لأية حلول انتقالية، أو ما يسمى "الدولة ذات الحدود المؤقتة"، التي تقسم الأرض والشعب والوطن؛ نرفضه رفضًا قاطعًا؛ ونأمل من كل من يعمل على إحيائه التوقف عن ذلك.
ومع تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة فإن المجتمع الدولي وقواه الفاعلة مدعوون مجددًا، وفق المعايير المعتمدة، وفي إطار سقف زمني محدد، لإنهاء الاحتلال؛ وذلك وبالتنسيق مع لجنة المتابعة العربية؛ لتمكين شعبنا من نيل حريته وسيادته واستقلاله بعد 67 عامًا من العذابات والتشريد؛ وبعد 48 عامًا على احتلال الضفة الغربية وبما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة.
صاحب الجلالة،
يطيب لي مجددًا التعبير عن بالغ شكري وتقديري على دعوتنا؛ متمنيا للمؤتمر الخروج بالنتائج المرجوة لانعقاده، شاكرين للأردن ملكًا وحكومة وشعبًا، حسن الاستقبال وكرم الضيافة، مثمنين جهود الطواقم الإدارية والتنظيمية كافة من الأردن الشقيق، ومنتدى الاقتصاد العالمي.
مرة أخرى أحييكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.