الرئيسية » خطابات الرئيس محمود عباس »

كلمة الرئيس محمود عباس المتلفزة لمناسبة الذكرى الثانية والخمسين لانطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"

31 كانون الأول 2016

بسم الله الرحمن الرحيم

يا أبناء شعبنا الفلسطيني العظيم،

يا أبناء، وبنات حركة "فتح"،

يا أبناء أمتنا العربية، وأصدقاءنا، وأحرار العالم،

ها نحن اليوم نحتفل وإياكم بالذكرى الثانية والخمسين لانطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني- "فتح"، معبرين لكل أبناء شعبنا الفلسطيني الصابر، الصامد في كل أماكن تواجده، ولأشقائنا، وأصدقائنا وأحرار العالم الذين وقفوا إلى جانب ثورتنا وكفاحنا العادل، عن إكبارنا وتقديرنا لهم جميعًا.

إن فتح التي عاهدتكم على المضي قدمًا بهذه المسيرة نحو الحرية والسيادة والاستقلال، ما زالت على عهدها تتمسك بثوابتنا الوطنية التي أقرها المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988، وهي لم، ولن تحيد عنها أبدا.

وفي هذه اللحظات التاريخية، والتي ما زال فيها شعبنا يقدم التضحيات الجسام دفاعا عن هويته، وكرامته الوطنية، وعن أرضه ومقدساته، فإننا نستذكر، بأسمى معاني الشموخ والإباء، شهداء شعبنا الأبرار، أفرادًا وقادة مؤسسين.

وكذلك نتوجه بتحية خاصة لأسرانا البواسل في سجون الاحتلال، الذين سنظل نعمل ونبذل الجهود لحين إطلاق سراحهم جميعًا، وفي مقدمتهم قدامى الأسرى والمرضى والأسيرات والأطفال؛ نعاهدهم جميعا بأن نظل أوفياء لتضحياتهم وعطائهم لوطنهم وشعبهم.

وفي هذه المناسبة الوطنية، فإننا نوجه التحية لقائد ثورتنا (الأخ الشهيد الرمز أبو عمار)، الذي أحيينا ذكرى رحيله، بافتتاح متحفه الوطني تخليدًا لذكراه، ومسيرته النضالية العظيمة، مؤكدين لشعبنا أننا سنظل على العهد والقسم الذي قطعناه على أنفسنا منذ الانطلاقة الأولى.

وفي هذا المقام، نؤكد مجددًا تمسكنا بإنجازات شعبنا التي راكمها عبر العقود الماضية، وفي الطليعة منها حفاظنا على قرارنا الوطني المستقل، الذي دفعت ثورتنا ثمنًا باهظًا من أجله.

لقد حقق المؤتمر العام السابع لحركة "فتح"، نجاحا كبيرا على المستويين الوطني والدولي، وشهد حضورًا دوليًا غير مسبوق، والتفافًا جماهيريًا فلسطينيًا واسعًا؛ وتمخض عنه برنامج عمل وطني طموح للمرحلة المقبلة؛ وهو الأمر الذي سيساهم في ضخ طاقة دفع جديدة، وقوية لحركتنا ومسيرتنا؛ مؤكدين أن عام 2017 سيشهد حالة استنهاض لحركة "فتح" العملاقة وللحركة الوطنية الفلسطينية بمجملها.

وفي هذا الإطار، فقد بدأنا المشاورات مع جميع الفصائل والقوى الفلسطينية، لعقد جلسة للمجلس الوطني الفلسطيني، هنا في فلسطين، خلال الأشهر المقبلة، من أجل تجديد قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثلة باللجنة التنفيذية وفق النظم المعمول بها.

وفي نفس الوقت، سنواصل الدعوة والعمل على توحيد أرضنا وشعبنا، وتحقيق المصالحة الوطنية، وإعادة إطلاق الحوار الوطني بين الأطراف الفلسطينية المعنية، والذهاب إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بأسرع وقت ممكن.

كما سنواصل العمل على بناء مؤسسات دولتنا، والنهوض باقتصادنا الوطني، وتمتين جبهتنا الداخلية، والحفاظ على معايير الحكم الرشيد، وفرض سيادة القانون والاستمرار في مواءمة القوانين والنظم الفلسطينية مع المعاهدات الدولية في جميع المجالات.

وفي هذا الصدد، فإننا نؤكد أهمية دعم جهود شعبنا ومؤسساته الوطنية في القدس، ومواصلة عملية إعادة إعمار ما دمره الاحتلال في قطاع غزة، وتعزيز البنية التحتية الأساسية من كهرباء، ومياه، وغيرهما.

وندعو الحكومة والقطاع الخاص لتضافر الجهود، ومواصلة العمل، من أجل النهوض بالاقتصاد الفلسطيني، وتنمية المجتمع، وإيلاء دور خاص للمرأة والشباب، وتعزيز جودة التعليم والصحة، وإشراك جميع شرائح المجتمع الفلسطيني، وتشجيع المبدعين في جميع المجالات، ومواصلة إقامة المناطق الصناعية، وتعزيز قطاعات الزراعة، والسياحة، وغيرها.

الأخوات والإخوة، أبناء شعبنا العظيم،

أقول لكم: إن الاستيطان على أرض دولة فلسطين المحتلة إلى زوال؛ فقد حصلنا منذ أيام على قرار تاريخي من مجلس الأمن حول الاستيطان، بإجماع دولي عارم.  هذا القرار الذي أكد المرجعيات الدولية، وطالب إسرائيل بوقف جميع نشاطاتها الاستيطانية، باعتبارها تمثل انتهاكًا للقانون الدولي، واتفاقية جنيف الرابعة، وأكد عدم جواز إحداث أية تغييرات في التكوين الديمغرافي، وطابع ووضع أرض دولة فلسطين المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية؛ وطالب دول العالم، بعدم التعامل مع المستوطنات الإسرائيلية، من خلال التمييز في المعاملة بين إسرائيل والأراضي المحتلة منذ العام 1967.

وبهذه المناسبة، فإننا نوجه التحية للدول التي تبنت مشروع القرار، وجميع الدول التي صوتت لصالحه، ونقدم الشكر للإدارة الأمريكية، ولجميع الأشقاء والأصدقاء.

وإن هذا التضامن الدولي الواسع الذي حظينا به، يظهر احتضان المجتمع الدولي لشعبنا وقضيتنا، ويثبت أننا لسنا وحدنا، وأن العالم يدعمنا لأننا صامدون على أرضنا، نبني مستقبلنا بأيدينا، ولأننا أصحاب قضية عادلة.

ونحن نستقبل العام الجديد، فإننا ندعو ليكون 2017 عام الاعتراف الدولي بدولة فلسطين؛ لأن المزيد من الاعترافات سيعزز فرص التوصل إلى حل الدولتين، وإنجاز السلام الحقيقي.

ونؤكد هنا التزامنا بالسلام القائم على الحق والعدل، والقرارات والمرجعيات الدولية، وأن أيدينا ستبقى ممدودة للسلام، ونؤكد تضامننا مع جميع الأشقاء والأصدقاء من دول وشعوب العالم، في مواجهة قوى الإرهاب والتطرف.

وفي هذا الصدد، فإننا نتطلع بكل أمل للمؤتمر الدولي الذي سينعقد في باريس في منتصف يناير، وأهمية أن ينتج عنه آلية دولية للمتابعة، وجدول زمني للتنفيذ.

ونؤكد من جديد أننا لا يمكن أن نقبل الحلول الانتقالية، والدولة ذات الحدود المؤقتة، وسنواصل العمل السياسي والدبلوماسي ونشر ثقافة السلام والحوار؛ ولا يمكن أن نقبل محاولات الحكومة الإسرائيلية لقلب الحقائق، وممارسة التضليل للمجتمع الدولي، في الوقت الذي تقيم فيه مستعمرات تكرس واقع "الدولة الواحدة"، والتمييز العنصري، من خلال مواصلة الاستيطان والاحتلال لأرضنا.

من ناحية أخرى، فإننا نثمن مبادرة الرئيس الروسي بوتين لعقد اجتماع ثلاثي في موسكو، مؤكدين استعدادنا الدائم لتلبية هذه الدعوة الكريمة.

وفي الوقت ذاته، فإننا نؤكد استعدادنا للعمل مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وعلى رأسها الرئيس المنتخب دونالد ترامب، من أجل تحقيق السلام في المنطقة، وفق حل الدولتين، والمرجعيات والقرارات الدولية، ومبادرة السلام العربية.

وفي ختام كلمتي، أقول لجماهير شعبنا الفلسطيني في كل مكان: بأننا سنواصل العمل ونبذل الجهود، ندافع عن هويتنا الوطنية، وحقوق شعبنا العادلة والمشروعة، وعن ثوابته الوطنية، مهما كان حجم التضحيات؛ فالحرية والسيادة والاستقلال على ترابنا الوطني هي أهداف نعمل على تحقيقها؛ ففلسطين الأرض الطاهرة المباركة، هي عهد الأجداد للآباء، وهي أمانة الآباء للأبناء والأحفاد، نحميها بالصدور والسواعد؛ ونحن باقون هنا، على أرض دولة فلسطين؛ ولا توجد قوة في الأرض، مهما بلغت عنجهيتها، وغطرسة قوتها وبطشها، تستطيع إلغاء تاريخنا وحضارتنا ووجودنا الثقافي والإنساني.

قد يستطيعون احتلالنا وحصارنا؛ لكن أحدًا لن يقدر على قتل أحلامنا وإرادتنا في الحرية والعيش بكرامة في وطننا فلسطين.

وسنظل نحمل الراية والشعلة، وفاء لهذا الإرث الذي لا يضيع، ولن يضيع، والذي افتداه وما زال يفتديه شعبنا بعشرات الآلاف من الشهداء، والأسرى، والجرحى، من أجل حرية وطنهم وشعبهم.

فلكم علينا يا شهداءنا الأبرار، ويا أسرانا البواسل، ويا جرحانا الأعزاء، ويا كل شعبنا العظيم، أن نظل سويًا، شعبا وقيادة، نحمي الحلم، وندافع عنه، ونتمسك بالعهد والقسم.

كلمة الرئيس محمود عباس في اختتام أعمال المؤتمر العام السابع لحركة فتح في مقر الرئاسة برام الله 4 تشرين الثاني 2016

قال تعالى: "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا" صدق الله العظيم.

أيتها الأخوات أيها الإخوة،

يعطيكم العافية،

هنيئا لأبناء "فتح" أينما كانوا، الأعضاء الحاضرين هنا، وعشرات الآلاف في المدن والقرى والمخيمات، وفي سجون الاحتلال، وفي مخيمات سورية ولبنان؛ وفي مختلف مواقع المنافي والشتات، ومختلف ساحات العالم. لقد كان الغائبون عن هذه القاعة هم الأكثر حضوراً بيننا، وهم يتابعون بعقولهم وأفئدتهم طوال الأيام الماضية سير أعمال المؤتمر السابع لحركتهم الباسلة فوق أرض الوطن؛ فوق أرض فلسطين.

هنيئا لنا جميعا؛ وقد تجمعنا هنا من كل الأجيال، ومن كل مكونات مسيرة النضال الوطني الفلسطيني؛ من الفدائيين الأبطال رواد البدايات الصعبة والانطلاقة التاريخية، ومن مقاتلي الثورة البواسل في معارك الدفاع عن فلسطين وشعبها، في الكرامة وبيروت والنبطية وعين الحلوة والشقيف وغيرها من ساحات البطولة؛ ومن مناضلي المقاومة الشجعان بعملياتهم الفدائية ضد الاحتلال في الأرض المحتلة، ومن الفرسان الجسورين لانتفاضة الحجارة في القدس والضفة وقطاع غزة، ومن صانعي ملحمة الصمود في سجون الاحتلال من أبطالنا الأسرى.

التقينا هنا تقودنا بوصلة فلسطين، واجتمعنا هنا على بعد خطوات من الخندق الأخير، وساحة الحصار والمعركة الأخيرة التي خاضها قائدنا الرمز ياسر عرفات؛ وانعقد مؤتمرنا على بعد خطوات من ضريح قائدنا العام الشهيد المؤسس؛ كي نقول له: كن مطمئنا يا أبا عمار، نم قرير العين وأنت في عليين بين الشهداء والصديقين.  إن إخوانك وأبناءك وشعبك يكملون المشوار على درب النضال الذي شققته وعبدته بالدم والروح والتضحيات أنت وأبو جهاد وبقية الإخوة من شهداء اللجنة المركزية، وجميع شهداء الحركة والثورة والشعب الفلسطيني.

فإلى روح أبي عمار وأرواح رفاقه وجميع الشهداء الأبرار نهدي نجاح أعمال مؤتمرنا السابع. هنيئا لأبناء  "فتح" وهم يختتمون مؤتمراً تكلل بالنجاح الفائق؛ فقدموا للجميع أمثولة للممارسة الديمقراطية والمشاركة والنقاش الساخن أحيانًا، من أجل الهدف الواحد، الممارسة الملتزمة بأعلى متطلبات الشفافية والنزاهة، ممارسة تعزز قدرتنا على تطوير أدائنا الحركي، وتعمق الطابع الديمقراطي لعمل مؤسساتنا الحركية على جميع المستويات.

وهنيئا لشعب فلسطين؛ فنجاح حركة فتح مفجرة الثورة والانتفاضة وقائدة المشروع الوطني وحامية القرار المستقل، هو انتصار لفلسطين وشعبها ولمنظمة التحرير وفصائلها وقواها، وإسهام هام في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني.

أيتها الأخوات أيها الإخوة،

أود أن أتقدم لمؤتمركم السابع، وأنا بغاية التأثر، بالشكر والامتنان للثقة الغالية التي أوليتموني إياها بانتخابي رئيساً لحركتنا الرائدة العملاقة. أعاهدكم جميعاً أن أبذل كل جهدي وطاقتي، كما حرصت طوال حياتي، كي أكون عند حسن ظنكم في التصدي للمهام الكبرى والتحديات الجسام الماثلة أمامنا في معركة الحرية والاستقلال الوطني.

وأود أن أهنئ أخواتي وإخواني ممن حازوا ثقتكم لعضوية اللجنة المركزية والمجلس الثوري، وأن أشكر المؤتمر باسمهم على منحهم ثقتكم، وأن أتوجه بالتحية أيضًا لجميع الأخوات والإخوة ممن ترشحوا أو لم يترشحوا. إن الحمل ثقيل والتحديات التي شخصتموها في قراراتكم كبيرة، وتحتاج جهودنا جميعًا في جميع مواقعنا للتصدي لها.

أيتها الأخوات أيها الإخوة،

عندما تعودون إلى مدنكم وقراكم ومخيماتكم وساحاتكم غداً أو بعد غد، تذكروا كل لحظة أن ما أنجزتموه خلال هذا المؤتمر هو الجهاد الأصغر؛ وأمامنا الآن مهمة أن نخوض الجهاد الأكبر.  لقد رسمت البرامج التي اعتمدتموها دليل عمل تفصيلياً لنضال حركتنا وشعبنا في المرحلة القادمة؛ برامج تؤكد جدارة حركتنا بقيادة نضال شعبنا ومشروعه الوطني، وبرامج تزدحم بالعديد من المهام التي علينا أن ننهض للقيام بها.

ومن المؤكد أن ما سجله المؤتمر من نجاح، وما عكسته برامجه من دلالة على قدرة حركتنا على تحديد المهمات واعتماد طرائق العمل المناسبة- سيقوي عزيمة شعبنا في نضاله ضد الاحتلال، ويدعم منظمة التحرير الفلسطينية (الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني) في جولات النضال السياسي والدبلوماسي الذي نخوضه في ساحات العالم.

أيتها الأخوات أيها الإخوة،

إن مؤتمركم يكتسب في تاريخ الحركة موقعًا بالغ الأهمية، ويشكل محطة مفصلية في مسيرتها. لقد وضع مؤتمركم الأرضية، وكرس التوجه نحو توسيع قاعدة المشاركة في هيئات الحركة وتجديد شبابها، وشدد على الدور الجوهري للمرأة والشبيبة.

لقد تعهدت أمامكم، وأنا عند وعدي وتعهدي، بأن أسعى وإخواني وأخواتي في اللجنة المركزية وفي المجلس الثوري بأن نقوم وفي أقرب وقت ممكن باعتماد التغييرات الضرورية واللازمة في النظام الداخلي للحركة، كي تفتح أبوابها أمام المشاركة الخلاقة للمرأة وللعطاء المبدع والمتوثب للجيل الشاب.

لنكن محددين وحاسمين؛ إن تمكين الشباب في حركتنا ليس مجرد شعار أو استحقاق تفرضه طبيعة الأمور، ولا مجرد ضرورة تفرضها مسيرة الحياة، ولا مجرد واجب يتحتم على جيلنا نحن القيام به؛ بل إنه متطلب لا غنى عنه، وضمانة لا يمكن تجاوزها لديمومة الحركة وفعاليتها واستمرار دورها القيادي وانتصارها.

أيتها الأخوات أيها الإخوة،

يا أبناء فتح الغلابة،

إخوة وأبناء أبو عمار

أبناء فلسطين المنتصرة حتمًا

مرة أخرى، هنيئا لكم

وإنها لثورة حتى الدولة والقدس والانتصار

عاشت فلسطين

والسلام عليكم.