كلمة الرئيس محمود عباس أمام قمة الاتحاد الإفريقي الـ27 المنعقدة في كيغالي في رواندا
بسم الله الرحمن الرحيم
فخامة الرئيس إدريس ديبي، رئيس جمهورية تشاد،
فخامة الرئيس بول كاغامي، رئيس جمهورية رواندا،
أصحاب الفخامة والدولة،
معالي الدكتورة زوما، رئيسة المفوضية،
أصحاب المعالي والسعادة، أيتها السيدات والسادة،
يسرنا أن نلتقي بكم مجددًا، أيها الأصدقاء، ويشرفنا أن نتحدث أمام قمتكم السابعة والعشرين، والتي تعقدونها تحت شعار: السنة الإفريقية لحقوق الإنسان مع التركيز على حقوق المرأة.
في بداية كلمتي هذه، أود أن أشيد بالتقدم والتطور الذي شهدناه منذ أن وصلنا إلى هذا البلد الجميل، وكان أول ما قمت به بعد وصولي بالأمس، أنني زرت النصب التذكاري للإبادة الجماعية هنا في كيغالي، وذلك احتراما لهذا الشعب الذي عانى الكثير، وأود بهذه المناسبة أن أتوجه للرئيس كاغامي بالتقدير والاحترام لجهوده وحكمته في الحفاظ على السلم والأمن والديمقراطية في هذا البلد الآمن.
السيد الرئيس، السيدات والسادة،
ونحن إذ نشكركم ونحييكم جميعًا، لنثمن عاليًا دعوتكم الكريمة لنا، والتي هي تعبير صادق ومخلص عن عمق العلاقات التاريخية، التي ظلت تربط بين دول قارتكم، وفلسطين وقضيتها العادلة. ونحن على ثقة بأن اتحادكم العتيد سيستمر في دعمه وتضامنه مع شعبنا لتمكينه من نيل حريته وسيادته واستقلاله. فقارتكم التي أنجبت وما زالت، نخبًا من القادة والزعماء العظماء، لا يمكن إلا أن تقف إلى جانب شعبنا لإنهاء 68 عامًا من التشرد والمعاناة لأكثر من 6 ملايين لاجئ فلسطيني، و49 عامًا من الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين.
السيد الرئيس، السيدات والسادة،
إننا نحيي جهودكم، وأنتم تسعون للنهوض بإفريقيا لتنعم بالسلام والرخاء والتكامل فيما بين شعوبها ودولها وفق خطتكم الطموحة للعام 2063، والتي تركزون من خلالها على إرساء أسس السلم والأمن، ومحاربة الإرهاب والتطرف الذي ندينه بكل أشكاله؛ وتحقيق التنمية المستدامة، وتطوير أوضاع المرأة، والمجتمع المدني، ومعالجة قضايا التربية والتعليم، والصحة.
ونحن مستعدون تمامًا للتعاون وإياكم في مختلف هذه المجالات؛ حيث تتوفر لدينا الخبرات والطاقات البشرية المدربة والمؤهلة علميًا، وبما يعود بالفائدة والمنفعة علينا جميعا، ضمن سياسة الوفاء التي نتبعها مع القارة؛ تعبيرا عن تقديرنا لمواقفكم المؤيدة لعدالة قضيتنا؛ تمامًا كما عملنا في علاقتنا مع أميركا اللاتينية من تعاون في المجال التنموي ونقل التكنولوجيا الزراعية أو في التعليم والطب والشراكة الاستثمارية وغيرها.
وسوف نرسل وفدًا من وكالة التعاون الدولي الفلسطينية– بيكا، قريبا لعقد اجتماعات مع مفوضية الاتحاد الإفريقي لتحديد أوجه التعاون والتنسيق.
السيد الرئيس، السيدات والسادة،
إننا ندعم طموحاتكم لإقامة إفريقيا مزدهرة عبر التنمية التكاملية والمستدامة، والتي تعمل لتحقيق الرخاء، وصولًا لقارة لها رؤية سياسية واقتصادية موحدة تنعم بالأمن والسلام، وذات هوية ثقافية قوية، وموروث حضاري مشترك، وبما يجعل إفريقيا قوية ومؤثرة، ولاعبًا وشريكًا عالميًا.
في هذه اللحظات، أؤكد من جديد إدانتي الشديدة للحادث الإرهابي الذي وقع في مدينة نيس الفرنسية، ونؤكد تضامننا ووقوفنا إلى جانب فرنسا وشعبها، ونحن على ثقة بأنها ستكون قادرة على تخطي هذه المحنة الصعبة. وأدعو الجميع للوقوف صفًا واحدًا ضد هذا الإرهاب الذي لا دين له. وفي نفس الوقت فإننا ندين جميع أعمال الإرهاب التي حدثت مؤخرًا في مختلف أنحاء العالم، وتلك التي ما زالت تتم في منطقتنا العربية، وفي دول هذه القارة الإفريقية العزيزة على قلوبنا.
إننا نقف إلى جانبكم أيها الأصدقاء، ونتضامن معكم. ولقد أصدرنا تعليماتنا لتقديم كل ما لدينا من قدرات وإمكانيات لمواجهة الإرهاب بجميع أشكاله، خاصة القادم من المجموعات الإرهابية المتطرفة.
السيد الرئيس، السيدات والسادة،
إن أيدينا ممدودة للسلام، ونسعى لتحقيقه مع جيراننا بالطرق السلمية والقانونية، وفق قرارات الشرعية الدولية، ومبدأ "الأرض مقابل السلام"، وتطبيق مبادرة السلام العربية كما جاءت في 2002، وتحقيق رؤية حل الدولتين، فلسطين وإسرائيل، تعيشان في أمن وسلام وحسن جوار.
لكن ذلك لن يتحقق أيها الأصدقاء إلا بزوال الاحتلال الإسرائيلي عن أرضنا المحتلة منذ العام 1967، بعاصمتها القدس الشرقية.
وفي هذا السياق، يتوجب على إسرائيل وقف بناء المستوطنات في أراضينا، ومنع مستوطنيها من ممارساتهم العدوانية، والتوقف عن السيطرة على أرضنا ومصادرنا الطبيعية، وخنق الاقتصاد الفلسطيني، وخرق الاتفاقيات الموقعة. إن إسرائيل تتصرف كقوة فوق القانون الدولي، وتستمر في بناء الحواجز والجدران، وحجز الآلاف من الفلسطينيين في سجونها، وعليها الامتناع عن امتهان المقدسات المسيحية والإسلامية؛ خاصة في القدس الشرقية؛ فكل هذه الإجراءات غير الشرعية، أوصلت شعبنا وشبابنا لليأس وفقدان الأمل.
السيد الرئيس، السيدات والسادة،
رغم الجهود المقدرة التي تقوم بها كل من الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، بشكل منفصل، لدعم تحقيق السلام في منطقتنا، إلا أن آلية الرباعية الدولية، قد فشلت مرة أخرى في القيام بواجباتها وفق خطة خارطة الطريق الصادرة منذ العام 2003، فقد أصدرت مؤخرًا تقريرًا ينتقص من قرارات الشرعية الدولية، ويلوي عنق الحقيقة، ولا يعبر عن الواقع الذي يعيشه شعبنا تحت الاحتلال الاسرائيلي، وقد ساوى بين الضحية والجلاد؛ الأمر الذي سيشجع إسرائيل (قوة الاحتلال) على المضي في طغيانها، وانتهاكاتها للقانون الدولي.
وهنا نجدد التأكيد على تمسكنا بالمبادرة الفرنسية، ونثمن اجتماع باريس الوزاري في الثالث من الشهر الماضي، وسنواصل العمل مع فرنسا وجميع الأطراف العربية، والأوربية، والدولية، وبما فيها الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، لعقد المؤتمر الدولي للسلام، وخلق آلية مواكبة جديدة للمفاوضات، وفق جدول زمني، لتنفيذ ما يتفق عليه، وصولًا لنيل الشعب الفلسطيني لحريته واستقلاله.
إن أية عملية تفاوضية ذات جدوى، تقتضي الالتزام بالقرارات الدولية، ومرجعيات السلام، وتنفيذ جميع الاتفاقيات الموقعة، ووقف الاستيطان بشكل كامل، والإفراج عن الأسرى.
إننا، أيها الأصدقاء، نتطلع لدعم اتحادكم ودوله الأعضاء، للمبادرة الفرنسية لعقد المؤتمر الدولي للسلام، وبما يضع حلولًا جذرية لهذا الصراع، وسينزع الذرائع من المتطرفين ودعاة الإرهاب، فنحن ننشد السلام للجميع دون استثناء.
السيد الرئيس، السيدات والسادة،
إننا نعمل على بناء مؤسساتنا الوطنية على أسس ديمقراطية وعصرية، وفي ظل احترام سيادة القانون، ووفق المعايير العالمية لحقوق الإنسان، وحقوق المرأة والطفل، ونعمل بكل إخلاص وتصميم لفك الحصار عن قطاع غزة، ولإنهاء حالة الانقسام، واستعادة وحدتنا الوطنية، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ونبذل كذلك كل جهد لإعادة إعمار ما دمره الاحتلال في ثلاث حروب على قطاع غزة.
السيد الرئيس، السيدات والسادة،
إن إفريقيا تستطيع عمل الكثير من أجل السلام في منطقتنا، وذلك لما لها من وزن على المستوى الإقليمي والدولي، وإننا نتطلع لرؤية دورها ومكانتها تتعاظم، وأن تنال مقعدًا دائمًا لها في مجلس الأمن، راجين لقمتكم تحقيق النجاح، ومثمنين عاليًا جهود مفوضية اتحادكم في التنظيم والإعداد لهذه القمة.
السيد الرئيس، السيدات والسادة،
في الختام، وبمناسبة انتهاء مهام الدكتورة زوما (رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي)، اسمحوا لي أن أدعوها إلى هنا، وذلك لتكريمها بوسام نجمة القدس، تقديرًا لدورها ومكانتها وصفاتها الحميدة، وتثمينا لجهودها ودعمها المتواصل لحقوق لشعب الفلسطيني المشروعة في الحرية والاستقلال.