خطاب الرئيس ياسر عرفات في الذكرى 16 لاغتيال أبو جهاد
خطاب الرئيس ياسر عرفات في الذكرى 16 لاغتيال أبو جهاد
بسم الله الرحمن الرحيم.
(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا).
صدق الله العظيم.
قبل ستة عشر عامًا وفي ذروة الانتفاضة الأولى المباركة، حركت حكومة إسرائيل أسطولها مسافة ألفي وأربع مائة كيلو متر إلى مدينة تونس، والهدف اغتيال رجل واحد هو أمير الشهداء أخي الحبيب أبو جهاد، ولكن الانتفاضة الشعبية المباركة ازدادت اشتعالًا وعطاءً وتوهجًا. ولم يكن أمير الشهداء أبو جهاد أول قائد فلسطيني تغتاله إسرائيل لضرب معنويات وصمود الشعب الفلسطيني المجاهد، منذ بداية مسيرة الحرية والاستقلال الوطني وانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في الفاتح من كانون الثاني- يناير عام 65، وإرهاب الدولة الذي تمارسه حكومة إسرائيل موجه للقادة والكوادر والمجاهدين والمناضلين.
وهل ينسى الشعب الفلسطيني جريمة حكومة إسرائيل باغتيال القادة الثلاثة في بيروت الشهداء أبو يوسف النجار والكمالين: كمال ناصر وكمال عدوان؟ وهل ينسى شعبنا جريمة اغتيال الشهيد غسان كنفاني في بيروت أيضًا؟ ولم تتوقف جرائم الاغتيال الإسرائيلية على مدى تاريخنا المعاصر، وحتى هذا اليوم تطلق حكومة إسرائيل التهديد والوعيد باغتيال قادتنا وكوادرنا دون أدنى اكتراث بالقيم الأخلاقية والإنسانية والقوانين الدولية.
نعم يا إخواني، إن حكومة إسرائيل لا تتورع عن ارتكاب أي جريمة ضد أبناء شعبنا الفلسطيني، هذه الحكومة هي التي اغتالت القائد الشهيد ماجد أبو شرار، واللواء البطل الشهيد سعد صايل، والمناضل القائد فتحي الشقاقي، وغيرهم من شهدائنا الأبطال وفي هذه الانتفاضة المجيدة، اغتالت حكومة إسرائيل الكثير الكثير من القادة الشهداء الأبرار، بما فيهم القائد المناضل أبو علي مصطفى، والقائد إسماعيل أبو شنب، وارتكبت هذه الجريمة الخسيسة والجبانة باغتيال القائد الشيخ أحمد ياسين، وهو يؤدي صلاة الفجر في غزة الباسلة.
إن هذا الرعيل الطويل والممتد من شهدائنا القادة والكوادر والمناضلين والمجاهدين، إنما يؤكد أن الشعب الفلسطيني لن يتراجع عن هدفه في الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية في دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، شاء من شاء وأبى من أبى، وأن شهدائنا القادة والكوادر والمناضلين وفي المقدمة أمير الشهداء أبو جهاد، إنما هم شعلة مضيئة ومثَل يُحتذى به في الرجولة والبطولة والفداء والشهادة في سبيل الوطن، وفي سبيل الحرية، وفي سبيل الكرامة الوطنية.
نعم يا إخوتي، نعم يا أحبتي الإخوة والأخوات، إن قدرنا الذي لن نهرب منه هو أن ندافع عن أرضنا وعن مقدساتنا المسيحية والإسلامية، وعن قدسنا الشريف، وعن حقنا في الحرية وفي الاستقلال الوطني وفي تقرير المصير، وحق اللاجئين في العودة في العودة إلى وطنهم، وحق الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال ومعتقلاته في الحرية والحياة الكريمة بين أهلهم وذويهم وأطفالهم في وطنهم المستقل ، بعيدًا عن الاحتلال والاستيطان والقمع والحصار الإسرائيلي، ومن أجل الحرية ومن أجل الخلاص النهائي من الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عشرات السنين. وستظل راية شعبنا عالية خفاقة من جيل إلى جيل من شهيد إلى شهيد، ويخطئ الحكام المتطرفون في إسرائيل ومن يقف معهم -وأنتم تعرفون من يقف معهم!- إذا اعتقدوا أن اغتيال قائد أو مناضل سيضعف العزيمة الوطنية لشعبنا شعب الجبارين الذين هم في رباط إلى يوم الدين، ولديهم الإيمان والإصرار القوي على الحرية والاستقلال، وإن وقائع البطولة والصمود والتضحيات الجسام التي يقدمها شعبنا على مذبح الحرية، ودفاعًا عن أرضه ومقدساته المسيحية والإسلامية، إنما تؤكد أن القوة والغطرسة أو جرائم الاغتيال الإسرائيلية والحصار المفروض، والعقوبات الجماعية والنسف والتدمير، وبناء "جدار الضم والتوسع والتفرقة العنصرية" لن يكون من شأنها غير المزيد من الصمود، والمزيد من التحدي والمزيد من الوحدة الوطنية لإرغام المحتلين الإسرائيلين وقطعان مستوطنيهم على مغادرة أرضنا الفلسطينية إلى الأبد، فالأمن الإسرائيلي لن يتحقق في ظل الاحتلال والغطرسة والاغتيالات لقادتنا وكوادرنا والسلام، لن يكون بغير الخلاص النهائي من الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي، فالأمن والسلام والاستقرار لن يتحقق إلا باستعادة أرضنا المحتلة وحقوقنا الوطنية المهدورة، وقيام دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف،نعم، القدس الشريف، وسيرفع شبل من أشبالنا، وزهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق أسوار القدس وكنائس القدس ومآذن القدس، (إنهم يرونه بعيدًا* ونراه قريبًا)، (وإنا لصادقون) و(. . ليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرًا)، (إن الله لا يخلف وعده).
أيها الأخوات والإخوة،
لقد ضحى أمير الشهداء أبو جهاد بحياته من أجل وطنه، وحين نقف اليوم وننحني إجلالًا لذكراه العطرة فإننا نقول له ولكل شهدائنا الأبرار: إن دماءكم لم ولن تذهب هدرًا، فشعبكم الفلسطيني يرفع اليوم عاليًا وبكل قوة راية الحرية والاستقلال التي رفعتموها وغذيتموها بدمائكم الطاهرة في مسيرة الحق والعدالة والدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
تحية لكم يا أخي ورفيق دربي، يا أمير الشهداء، من أهلك وشعبك وأبنائك المناضلين. وتحية لكل شهداء فلسطين، وأقول لكل شهدائنا: العهد هو العهد، والقسم هو القسم، وأقول لشعبنا ولأمتنا العربية ولكل الأحرار والشرفاء في العالم والشرفاء في العالم: معًا وسويًا حتى القدس الشريف بعونه تعالي.
بسم الله الرحمن الرحيم
"إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) .
ومعًا وسويًا حتى القدس، حتى القدس، حتى القدس.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .