الرئيسية » خطابات الرئيس الراحل ياسر عرفات »

خطاب السيد ياسر عرفات إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.

15 كانون الأول 2024

خطاب السيد ياسر عرفات إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.

بيروت، 29/11/1981،

السيد الرئيس،

السادة الأعضاء،

يسعدني أن أوجه هذه الرسالة إلى جمعيتكم الموقرة، بمناسبة اليوم التاسع والعشرين من نوفمبر [ تشرين الثاني ] الذي قررته الجمعية العامة للأمم المتحدة ليكون اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، يحتفل فيه كل عام إلى أن تتحقق أماني الشعب الفلسطيني في تمتعه بحقوقه الوطنية الثابتة، ومن ضمنها حق العودة وتقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة فوق ترابه الوطني الفلسطيني. ولا ريب -أيها السيد الرئيس والسادة الأعضاء- إن احتفال الجمعية العامة في هذا اليوم العالمي سنويا بات يحمل معنى يتجاوز مجرد التأييـد للحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، إلى المشاركة في النضال من أجل تحقيق هذه الحقوق، لذا يمكن اعتبار التزام المنظمة الدولية بمواصلة إحياء هذا اليوم أحد المظاهر والبراهين الهامة على أن قضية الشعب الفلسطيني العادلة أضحت أبرز قضايا الأمم المتحدة، وأن نصرة الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني أمنية عزيزة على شعوب العالم، ستواصل العمل عبر هذه المؤسسة الدولية الكبرى لتحقيقها وتكريسها. وهذا ما جعل شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية تستعيد ثقتها بهذه الهيئة الدولية.. بعد طول تحفظ؛ بسبب ما لحق بالقضية الفلسطينية في الماضي من إجحاف وإهمال، وما عانى الشعب الفلسطيني، بسبب ذلك، من تشريد وحرمان ومظالم وآلام.

السيد الرئيس،

السادة الأعضاء،

لقد أثبتت تجربة الأعوام الماضية التي تلت الحرب العالمية الثانية، وعلى التحديد بعد تأسيس هيئة الأمم المتحدة، أن هذه الهيئة الدولية في حالة وقوعها تحت تأثير بضعة دول، لا تستطيع أن تكون ضمير الإنسانية وتعبيرًا عن إرادة الشعوب وتطلعها إلى السلم والعدالة والحرية والاستقلال وصيانة حقوق الإنسان؛ مما سيفقدها دورها الذي يفترض أن تلعبه في عالمنا المضطرب بسبب المظالم وهدر الحقوق، بينما أثبتت تلك التجربة أن هذه الهيئة الدولية يمكنها أن تلعب دورًا عالميًّا مرموقًا باتجاه ما ينص عليه ميثاقها وإعلانها العالمي عن حقوق الإنسان في حالة تعبيرها عن إرادة الغالبية العظمى من شعوب العالم.

ويمكن القول إن هيئة الأمم المتحدة أخذت في السنوات الأخيرة تسترجع صوتها الذي يمكن أن تسمعه الشعوب المناضلة، وتحترمه الإنسانية؛ مما يسمح لشعبنا الفلسطيني أن يتطلع بعين التفاؤل إلى كل دورة من دورات الجمعية العامة، ويأمل أن تلعب الأمم المتحدة دورًا متعاظمًا في الحياة الدولية عمومًا، وبالنسبة إلى حــل قضيتهة العادلة خصوصًا.

وإنني -يا سيادة الرئيس- أجد من المناسب أن أنقل إليكم في هذا الصدد تحفظ شعبنا على نظام الفيتو الذي راحت الولايات المتحدة تستغله في مجلس الأمن أسوأ استغلال، ضد قضية شعبنا وحقوقه الثابتة، فبدلًا من أن يستخدم الفيتو لتعزيز الإرادة الدولية وخدمة القضايا العادلة، أصبح بيد المندوب الأميركي وسيلة لمنع أي قرار إيجابي يحقق السلم العام في منطقة الشرق الأوسط، بل أصبح وسيلة لتشجيع الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان الدولة المستقلة ذات السيادة، وقد شهد العالم كله مندوب الولايات المتحدة يستخدم الفيتو أو يهدد باستخدامه كلما قدم إلى مجلس الأمن مشروع قرار يؤكد الحق الفلسطيني، كما عبرت عن ذلك مرارًا الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو يطالب برفع الاحتلال الإسرائيلي عن الأراضي العربية والفلسطينية، أو يشجب الغارات الإسرائيلية على مخيمات الفلسطينيين والقرى اللبنانية والأحياء السكنية الفلسطينية واللبنانية، تلك الغارات التي يذهب المئات ضحيتها في كل مرة، وكان آخرها الغارات الوحشية التي شنت على جنوبي لبنان وعلى بيروت في يوليو [ تموز ] الماضي، والتي أسفرت عن قتل وجرح الآلاف، فبدلًا من أن تصدر القرارات الحازمة من مجلس الأمن باستنكار تلك الاعتداءات، واتخاذ إجراءات عملية لفرض الإرادة الدولية على إسرائيل؛ تصرّ أن تضرب عرض الحائط بتوصيات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، ولهذا أريد أن أتوجه إلى الشعب الأميركي الذي أحترم وأقدر أن يرفع صوته ضد هذه الإساءة في استخدام حق الفيتو الذي تمارسه حکومته ضد شعبنا وقضيتنا، وفي تأييد العدوان واستمرار الاحتلال.

السيد الرئيس،

لقد عانى الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، خلال العام الماضي، مزيدًا من أعمال الاضطهاد والتعذيب والعقوبات الجماعية، بما راكم مئات الحالات الجديــدة التي خرقت فيها سلطات الاحتلال الإسرائيلية الإعلان العالمي لحقـوق الانسان، هذا إلى جانب الاستمرار في مصادرة الأراضي والممتلكات الخاصة والعامة، وبناء المستوطنات الجديدة، والاستيلاء على الثروات الفلسطينية في جوف الأرض. كما لم تتوقف سلسلة الإجراءات الهادفة إلى إبعاد الفلسطينيين من وطنهم، والإمعان في تهويد المناطق المحتلة، وبصورة خاصة مدينة القدس.

وينبغي لي في هذا الصدد أن ألفت نظر العالم كله، خصوصًا العالمين المسيحي والإسلامي، إلى مخاطر ما يجري من انتهاك لحرمة المقدسات، ومن سعي حثيث لتغيير ملامح مدينة القدس التاريخية، ونزع الطابع العربي عنها وتهويدها، فمن جهة نشطت أسوار[A1]  المسجد الأقصى؛ مما أصبح يهدد بناءه بالانهيار، مما يعتبر إمعانًا صارخًا في تحدي الشعوب الإسلامية والمسيحية على حدٍّ سواء، لأن مجرد انتهاك مكان واحد من أماكن العبادة لأي دين أو طائفة يجب أن يعتبر انتهاكًا لكل المقدسات، وخطرًا محتملًا عليها جميعا. .. ولعل من البديهي القول إن مثل هذه الإجراءات الإسرائيلية سوف تستدعي ردود فعل على المستويين العربي والإسلامي والعالمي؛ مما قد يهدد السلم العالمي، وإني لأُعلن من هنا أننا في الثورة الفلسطينية لا يمكن أن نسكت على ما يجري في القدس، سواء بالنسبة إلى انتهاك المقدسات، أم إلى تهويد المدينة المقدسة وضمّها إلى إسرائيل واعتبارها عاصمتها الأبدية، لأن التهويد سوف يجعل من الأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية آثارًا قديمة تفتقر إلى الحياة التي يبثها من حولها المؤمنون من المسيحيين والمسلمين.  إن هذه المدينة العظيمة التاريخية التي هي الدرة التي حافظ عليها الشعب الفلسطيني من أجل مصلحة العالم كله، لا يجوز أن تتحول إلى غابة من الأبنية الاستيطانية العسكرية التي تفقد هذه المدينة المقدسة سماتها التاريخية والروحية، ولا يوجد في العالم غير مدينة قدس واحدة، ومن هنا جاءت سلسلة القرارات الصادرة عن جمعيتكم الموقرة التي تشجبون فيها جملة المخالفات الخطيرة التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني لمدينة القدس، وتستنكرون الانتهاكات المستمرة للمقدسات، وترفضون رفضًا قاطعًا تغيير ملامح القدس القديسة، وتؤكدون على ضرورة المحافظة على طابعها التاريخي. إن السلطات الإسرائيلية خلال هذا العام أمعنت في تحدي تلك التوصيات وفي إضافة المزيد من الارتكابات بحق المدينة الخالدة ومقدساتها. إنني أهيب بجمعيتكم العامة في هذا العام أن تتضمن توصيتها طلبًا إلى مجلس الأمن لكي يأخذ قرارًا بوقف الحفريات تحت المسجد الأقصى، ويتعهد بتنفيذه بكل الوسائل، في حالة رفض السلطات الصهيونية الانصياع له.

السيد الرئيس،

السادة الأعضاء،

تتعرض القضية الفلسطينية الآن لأخطر مؤامرة تواجهها منذ العدوان الإسرائيلي في العام ۱٩٦٧، وهي مؤامرة الحكم الذاتي، كما تضمنته اتفاقيات كامب ديفيد، ولقد عملت القيادة الإسرائيلية وما تزال على تهيئة ظروف قسرية لتمرير هذه المؤامرة وفرضها، حيث تقوم بطبخ حالة مدنية مشوهة في الضفة الغربية وقطاع غزة، تستند إلى خدعة تستبدل باللباس العسكري للاحتلال لباسًا مدنيًّا، وتسمية مقر الحاكم العسكري بمقر الحاكم المدني الإداري، ولقد عبر عن ذلك بشمولية واضحة ما يسمى بمشروع شارون (وزير الدفاع الإسرائيلي) الذي أُقرّ في الحكومة الإسرائيلية وتجري محاولة تنفيذه بشتى الوسائل والأساليب التي يمتلكها الاحتلال، ولعله واضح للجميع أن مغزى هذه اللعبة الإسرائيلية الجديدة هو تطويق حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة، وتقديم حل استباقي للقضية الفلسطينية لا يتعدى حدود الحكم الذاتي الإداري الذي يراد له أن يكون بديلًا لطموحات شعبنا الوطنية وحقوقه الثابتة، بما فيها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة فوق التراب الوطني الفلسطيني، ولعل أصدق ما يبرهن على عقم هذه المؤامرة واستحالة نجاحها كبديل عن الحقوق الفلسطينية الثابتة هو نزول شعبنا الفلسطيني كله إلى الشوارع رافضا بحزم وقوة كل الإجراءات والمشاريع المشبوهة مستقبِلًا رصاص جيش الاحتلال بصدوره العارية، وقبضاته العزلاء إلا من سلاح الإيمان والإرادة والحق، عبر انتفاضة شاملة شجاعة شهدها العالم كله، وشهد معها أصالة الشعب الفلسطيني، وقوة إرادة النضال الكامنة في أبنائه وبناته، والتزام هذا الشعب وتمسكه القوي بحقوقه الثابتة وبممثله الشرعي الوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا يجعلنا نتطلع إلى الأمم المتحدة، لتجدد في هذه الدورة دعمها الكامل لهذا النضال البطولي، واستنكارها وإدانتها لما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إرهاب وقمع وتدمير وتقتيل وتشريد وتآمر، خصوصًا وأن سلطات الاحتلال مصممة على تنفيذ مخططاتها

الهادفة إلى تكريس الاحتلال باستخدام كل الوسائل.

واسمح لي أيها السيد الرئيس أن ألفت انتباه جمعيتكم الموقرة بهذه المناسبة إلى أن السياسات الإسرائيلية العنصرية في الأراضي المحتلة منذ عام 67 دخلت مرحلة جديدة، إذ قررت الحكومة الإسرائيلية التوقف عن تسمية هذه الأراضي بالمناطق المحتلة أو المدارة، وأسمتها "يهودا والسامرة"؛ مما يكشف أن تلك المناطق تتعرض الآن إلى ما تعرضت له مدينة القدس المحتلة من إجراءات ضم وتهويد، جنبًا إلى جنب مع الإجراءات الهادفة إلى تغيير الطابع العسكري للاحتلال، ومحاولة جعل الوجود الإسرائيلي غير المشروع في الأراضي المحتلة وجودًا دائمًا، وهذا منطق العنصرية الصهيونية ومنهجها، إنه منطق القيادات التي تعتنق وتطبق نظرية الحق للقوة، وترفض حتى الالتفات إلى ما تحمله شعوب العالم من مبادىء وقيم ومُثُل، وفي مقدمتها مبادىء ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقبل أن أغادر هذه النقطة أُشير إلى أنّ كل ذلك ما كان ليحصل، وتتجرأ السلطات الإسرائيلية على الإقدام عليه والاستمرار فيه، لولا اعتمادها الكامل على الدعم الأميركي بكافة مستوياته السياسية والدبلوماسية والعسكرية والمالية، وإلا ما تفسير الاتفاق الإستراتيجي الأخير الذي أُبرم بين حكومتي الولايات المتحدة وإسرائيل إذا لم يكن دعمًا لكل هذه الإجراءات والسياسات العنصرية الإلحاقية العدوانية.

أيها السيد الرئيس،

لقد آن الأوان أن تقف الجمعية العامة طويلًا أمام الاستهتار الذي تبديه إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة وتوصياتها، ولإرادة الغالبية الساحقة من أعضائها، وينبغي أن تدرس السبل الكفيلة بوضع حد لكل هذا الاستهتار واللامبالاة والتحدي للأمم المتحدة وللعالم؛ لأن وقفة حازمة من جانب الأمم المتحدة أصبحت ضرورية، ليس من أجل الشعب الفلسطيني والقدس وقضيته العادلة فحسب، وليس من أجل نزع فتيل تفجير الحرب الشرق الأوسط فحسب، وإنما أيضا من أجل تعزيز هيبة الأمم المتحدة وتمكينها، من أجل عالم يتوافق مع مبادىء ميثاقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. حقًّا لم يعد مقبولًا ولا معقولًا أن تستمر إسرائيل بنيل شرف عضوية هيئة الأمم المتحدة، بينما تستمر بكل أفعالها وأقوالها بالتناقض مع تلك المبادئ، فضلًا عن رفض كل ما صدر من توصيات وقرارات، علمًا أنها ما كانت العضو الوحيد الذي اشترطت هيئة الأمم المتحدة عند قبوله الصياغة لتطبيق ما يصدر بحقه من قرارات وتوصيات، طبعًا إن هذا الوضع الشاذ والخطر ما كان ليستمر لولا الدعم الذي تلقاه الانتهاكات والمخالفات الإسرائيلية تحت قبّة هيئة الأمم المتحدة وخارجها من حكومة الولايات المتحدة الأميركية، وإلا كيف يمكن لدولة صغيرة تعتمد بوجودها على المساعدات الخارجية أن تبدي التحدي للإرادة الدولية لو لم تلق تغطية من دولة كبــرى هي الولايات المتحدة الأميركية؟!

السيد الرئيس،

لقد واجه الشعب الفلسطيني ومعه الشعب اللبناني في هذا العام سلسلة من الاعتداءات الإسرائيلية في أعماق الأرض اللبنانية، تحت سمع وأبصار العالم كله. فمن جهة استمرت حرب الاستنزاف في الجنوب، فقد تواصلت خلال العام الفائت عمليات القصف المدفعي والصاروخي من الأرض والبحر، واستمرت طلعات الطيران للاستكشاف والإغارة على القرى والمخيمات الآمنة التي يسكنها المدنيون من لبنانيين وفلسطينيين، وقد توج ذلك كله في حرب العدوان التي اندلعت في السادس عشر من يوليو تموز ۱۹۸۱، تلك الحرب التي وصفتها الصحافة العالمية بالحرب السادسة وأحيانا بالحرب الإسرائيلية – الفلسطينية؛ لأنها كانت حربًا حقيقية بكل ما تحمل الكلمة من معنى. فقد امتدت إلى أربعة عشر يومًا متواصلة، وكانت كثافة النيران فيها بمعدل الدقيقة الواحدة أكثر من أية كثافة للنيران عرفتها الحروب السابقة التي شهدتها منطقتنا. وعلى الرغم من أننا تحلينا بضبط الأعصاب لمدة ثمان وأربعين ساعة بعد العدوان الشامل، من أجل إعطاء الفرصة الكافية لهيئة الأمم المتحدة لوقفه قبل تدهور الأوضاع بما يهدد السلم العالمي، أريد أن أحذر من تكرار هذا العدوان (على مدينة بيروت)؛ لأنه لن يكون من السهل في المرة القادمة التوصل إلى وقف إطلاق النار، لأن لصبر الشعب الفلسطيني وحلمه حدودًا، ولا يمكنه أن يستمر بالعض على جراحة إلى ما لانهاية، ولا يجوز أن يتحمل وحده المسؤولية الدولية، فإذا كان من الطبيعي للكيان الصهيوني أن يكون مفتقرًا لأدنى درجة من درجات المسؤولية الدولية تجاه العالم وشعوبه، فإن من غير الطبيعي أن تستمر حكومة الولايات المتحدة بالتصرف بلا مسؤولية بصورة خاصة منح الضوء الأخضر للجيش الإسرائيلي باستمرار احتلال القدس والأراضي الفلسطينية والعربية، وبمواصلة حرب الإبادة بالاجتياحات والغارات والعمليات الخاصة، بحرب المتفجرات والاغتيالات على الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي الوحيد منظمة التحرير الفلسطينية. إن هذا الوضع لم يعد قابلًا للاستمرار؛  لأن الاستمرار سينتقل إلى مرحلة جديدة من الصراع لا يعرف أحد إلی أین تصل، وإلى أي مدى من المخاطر يمكن أن يتعرض لها العالم بسببها. وإني أحمّل المسؤولية كاملة بهذا الصدد لحكومة الولايات المتحدة الأميركية.

اسمحوا لي أيها السيد الرئيس أن ألفت -من خلال هذه الهيئة الدولية الجليلة- انتباه العالم عمومًا، وانتباه شعب الولايات المتحدة الأميركية خصوصًا إلى ذلك الطلب الذي تطلبه حكومة الولايات المتحدة الأميركية من منظمة التحرير الفلسطينية لقاء الاعتراف بها والتحدث معها، وهو الاعتراف المسبق بحق إسرائیل في الوجود، هذا أسلوب آخر في الإمعان بالتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، ومواصلة التصرف بلا مسؤولية، ويتعارض مع الأصول والمبادىء والأعراف الدولية، فشعبنا لا يطلب شيئًا ليس حقًّا له، ولا يطلب منّة أحد، ولا يقبل أن يهان بوضع الشروط المسبقة من أجل الاعتراف به، فإما أن يكون شعبًا تتوفر فيه كل شروط الشعب، ومن ثَمّ له حقوقه الثابتة، بما فيها حق الاعتراف به وبممثله الشرعي، وإما ألا يكون كذلك، فإن لم يكن كذلك فإنّ الشرط المسبق لا يوفر له تلك الحقوق، وإذا كان شعبًا كامل الحقوق فإن الشرط المسبق ينقص من حقوقه الثابتة، ومن ثم يشكل تجاوزًا مرفوضًا تمامًا.

أما كون الشعب الفلسطيني شعبا له حقوقه الثابتة، فهذا ما أسفرت [A2] به هيئة الأمم المتحدة، واعترفت به رسمیًّا غالبية دول العالم، ويكفي أن أذكّر بهذا الصدد أن الاتحاد السوفياتي الصديق اعترف اعترافًا دبلوماسيًّا كاملًا بمنظمة التحرير الفلسطينية كما يتم الاعتراف بالدول تمامًا، وكانت بلدان حركة عدم الانحياز وبلدان المنظمة الإفريقية ومنظمة الدول الاسلامية قد اعترفت ليس بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني فحسب وإنما بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلًا شرعيًّا وحيدًا له، ويجب أن أذكر باعتزاز اعتراف دولة اليونان قبل شهر بمنظمة التحرير الفلسطينية اعترافًا دبلوماسيًّا، فما معنى أن نسمع أصواتًا تضع أمامنا الشروط المهينة من أجل أن تتحدث معنا! إنني أعلنها من هنا أن الشعب الفلسطينى يرفض التحدث مع من يضع لذلك شروطًا مسبقة، أيًّا تكن تلك الشروط، بل إنه يرفض الاعتراف به أو بمنظمة التحرير في حالة وضع الشروط المسبقة عليه، لأن في ذلك انتقاصًا لحقوقه لن يرضاه، وإهانة لكرامته لن يسمح بها، فنحن شعب شُرّدنا من بلادنا، وسُلبت حقوقنا وأراضينا وأمعن في تشتيتنا واضطهادنا وعملية إبادتنا، ولكننا لم نستسلم ونحن في أسوأ الظروف، وفي أصعب الأوضاع، وصبرنا وصابرنا وكافحنا، ولم نفرط بحقوقنا ولم نهدر كرامتنا، ثم حملنا السلاح بعد أن سُدّت في وجهنا كل السبل وبدأ ضمير العالم يستيقظ ليشد من أزرنا؛ حتى أصبحت قضيتنا العادلة في المقدمة، وأصبحت منظمة التحرير الفلسطينية جزءًا لا يتجزأ من الإرادة الدولية والهيئة الدبلوماسية العالمية، وأصبح الشعب الفلسطيني يقف بين شعوب العالم ندًّا لندّ، فكيف يمكن بعد هذا كله أن تأتي الإدارة الأميركية وتضع الشروط على منظمة التحرير الفلسطينية لتعترف بها وتتحادث معها! فاني إذ أرفض وضع الشروط المسبقة علينا رفضًا قاطعًا لا رجعة فيه، أعتبر ذلك مخالفة للأصول والأعراف الدولية، بل أعتبر ذلك استمرارًا للرضوخ للابتزاز الإسرائيلي الذي وضع الشرط في عنق الإدارة الأميركية ثمنًا لصفقة سياسية؛ مما يكشف تهافت وضع ذلك الشرط المسبق على شعبنا، فإما أن تمتلك الإدارة الأميركية الجرأة للتخلص من الابتزاز الإسرائيلي المتمثل في ذلك التعهد الذي أُعطي تحت الابتزاز وبلا وجه حق، وإما أن تستمر القطيعة بينها وبين منظمة التحرير الفلسطينية إلى ما شاء الله. ويجب أن أذكر هنا أن ما ورد من تصريحات على لسان الرؤساء الأميركيين الثلاثة: السادة فورد ونيكسون وكارتر، وعدد من مساعديهم، بمن فيهم السيد كيسنجر الذي أعطى ذلك التعهد، ليشكل دليلًا آخر على صحة موقفي حين أرفض ذلك الشرط المسبق رفضًا حاسمًا، إنني أفعل ذلك وكلي ثقة أن الشعب الأميركي يتجه إلى تحقيق شبه إجماع في الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وعندئذ ستجد الإدارة الأميركية نفسها قد تأخرت كثيرًا، وفاتها القطار، أي ستجد أنها فرطت كثيرًا بمصالح الشعب الأميركي، نتيجة مواقفها المتحاملة غير العادلة وغير المنصفة، نعم يجب عليها أن تعرف أنها تتعامل مع شعب قبِل أن يهدر دمه ولا تهدر كرامته، وتتعامل مع قضية فلسطين العادلة التـي أصبحت قضية أغلبية دول العالم وشعوبه.

أشكر لكم أيها السيد الرئيس، وأشكر لكم أيها السادة حسن استماعكم، آملًا أن أعبر عن تقديري الشديد لكل صوت وقف ويقف مع شعبنا، وعن أملي أن تصغي الأصوات التي منعها التحامل والانحياز الأعمى إلى صوت الحق والضمير، وأن تراجع نفسها، وألا تدفع هيئة الأمم إلى الطريق المسدودة وتعرض السلم العالمي إلى الخطر، وتزيد من الاضطراب في منطقة الشرق الأوسط، وتكبد الشعب الفلسطيني مزيدًا من الجراح والآلام والشهداء، وتدفع بنفسها إلى مزيد من العزلة الدولية والصراعات، وليتأكد العالم كله أن شعبنا الذي حمل البندقية بيدٍ وغصن الزيتون بيدٍ تجاوز المرحلة التي يمكن أن يسقط تعنت بعض الدول غصن الزيتون من يده، ودخل في مرحلة أصبح بمقدوره فيها زرع غصن الزيتون الذي يحمله في فلسطين وفي ربوع القدس.

المراجع:

الوثائق الفلسطينية العربيه للعام 1981، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، ص473، 474، 475، 476، 477، 478.

وكالة وفا، بيروت، 29/11/1981، ص 2 – 16.

 


 [A1]؟؟؟؟؟؟

 [A2]أقرّت