الرئيسية » خطابات الرئيس الراحل ياسر عرفات »

خطاب السيد ياسر عرفـات إلى جماهيــر الأرض المحتلة يشيـد فيها بصمودهم في وجه الاحتلال الإسرائيلي، ويعاهدهم على الاستمرار في النضال لاقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

15 كانون الأول 2024

خطاب السيد ياسر عرفـات إلى جماهيــر الأرض المحتلة يشيـد فيها بصمودهم في وجه الاحتلال الإسرائيلي، ويعاهدهم على الاستمرار في النضال لاقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

بيروت، 14/11/1981

إخوتي وأحبتي أبناء وبنات شعبنا الفلسطيني الصامدين المناضلين داخل الوطن المحتل،

يا جماهيرنا الباسلة الشجاعة،

أيها المناضلون الأبطال فوق كل جزء من وطننا الحبيب فلسطين،

ها أنتم يا إخوتي وأخواتي تدخلون بانتفاضتكم المجيدة يومها الرابع عشر، بعد أن تواصلت انتفاضاتكم الشجاعة منذ اليوم الأول للاحتلال، وستستمر بإذن الله، حتى نرفع سويًّا ومعًا فلسطين العربي علم ثورتنا خفّاقًا فوق روابي القدس المحررة بإذن الله.

إنكم يا أهلنا فى الوطن المحتل، تصنعون عبر انتفاضاتكم الشاملة هذه الحقائق النضالية الرائعة في منطقتنا العربية، فيتكامل فعلكم الشجاع والعظيم، مع فعل أبنائكم المقاتلين الثوار، ليشكل ذلك كله نسيج ثورتكم الرائع، وحقائق فعلها المؤثر، ليس فقط على ساحتنا المحلية والعربية، وإنما على امتداد الخريطة الدولية بكل تأثيراتها ومؤثراتها.

إخوتي وأخواتي،  أحبتي وأحبائي،

یا أهلنا الصامدين في كل أنحاء الوطن المقاوم، لقد ذهب المتآمرون إلى أقصى مدى، وساقهم الوهم إلى حد تخيل إمكانية فرض حلول ومشاريع واتفاقات تصادر حقوقنا، وتكرس الاحتلال البغيض فوق أرضنا، فكانت رحلة كامب ديفيد وإفرازها الهزيل الحكم الذاتي ذروة ما استطاع أطراف المؤامرة المغامرة به، وظنوا أنهم يستطيعون فرض مؤامراتهم هذه وأشباهها على الشعب الفلسطيني، غير أن حقائق الفصل الفلسطيني الذي يصنع المعجزة ويصنع الملاحم والتي شاركتم يا أهلنا الأبطال في صنعها على ساحة المواجهة الساخنة مع الاحتلال تتفاعل كلها وتتواصل لتصب في أتون ثورتكم العظيم،  فوق كل الساحات وعلى كافة الجبهات، وتتصدى بحزم للمؤامرات الهادفة إلى تصفية قضيتنا الفلسطينية وتفشلها،  وتسجل على صفحات التاريخ بأحرف من نور ونار هذا العطاء السخي للشعب العظيم. ولقد تداعت یا أهلنا أمام هذا الإصرار العنيد والعطاء المتواصل جميع المؤامرات، بما فيها مؤامرة مشروع الحكم الذاتي، وغيرها من المشاريع الهزيلة المشبوهة، لتفتح بقوة المجال واسعًا أمام ثورتكم العملاقة على الطريق الصحيح، طريق فرض الخيار الفلسطيني الذي لم يكن له في يوم من الأيام، ولن يكون له أي بديل آخر. وخيارنا الفلسطيني حددناه في مواثيقنا ومجالسنا الوطنية واضح وحاسم كحد السيف، مجسّدًا بحقوقنا الوطنية الثابتة، بما فيها حقنا في العودة وتقرير المصير، واقامة دولتنا المستقلة فوق ترابنا الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس، التي ما گفت سواعد أبنائكم الفتية القوية عن رفع علم فلسطين في سمائها، ليكون البشير لأن يرفرف خفاقًا عربيًّا منتصرًا فوق روابي القدس الحبيبة المقدسة.

يا أحبتي ويا إخواني وأخواتي،

يا كل أهلي في الوطن الحبيب،

في زمن الحرب السادسة التي عبرنا بها أحد أهم المنعطفات التاريخية في مسيرتنا النضالية الثورية الظافرة، وفي زمن الانتفاضة الشاملة التي صنعتم فصولها المجيدة منذ اليوم الأول للاحتلال، وها أنتم تواصلونها بكل قوة وحيوية وإيمان وتضحية.

تشرق شمس فلسطين قوية ساطعة رغم سحب الظلام التي تنتشر حولها، فتضيء حقيقة فلسطين الشعب والثورة والطموح الوطني في منطقتنا العربية، وفي منطقة الشرق الأوسط، وعلى مرأى من العالم كله، لتصبح بوابة السلام والحرب في هذه المنطقة بأسرها. انها الحقيقة الوحيدة التي فرضت نفسها على معادلة الشرق الأوسط بأن لا حل ولا استقرار ولا سلام في هذا الجزء من العالم، بغير الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، وفي القلب منها، حقه في إقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وحين يحاول القادة الصهاينة وأسيادهم الإمبرياليون وعملاؤهم اصطناع بدائل مزيفة عن هذه الحقوق، فإنهم لن يلقوا الا الفشل المحتم، مهما زينوا هذه البدائل الزائفة، وأضفوا عليها من صور الخداع والتمويه.

ولعلكم يا أهلنا في الوطن المحتل أول من أدرك استحالة تمرير هذه الحلول الزائفة، بدءًا ببدعة الإدارة المدنية، وانتهاءً بالحكم الذاتي وما بينهما من حيل وألاعيب؛ لأنكم أنتم أول من فضح هذه البدع، وتصدى لها وأفشل كل الخطوات التي حاول الصهاينة القيام بها على طريق فرضها، ولأنكم كنتم القنبلة الزمنية التي انفجرت في وجه مؤامرة كامب ديفيد، وفرسان كامب ديفيد الذين ادعوا في لحظة نشوة كاذبة أن الشعب الفلسطيني في قبضتهم، وتحت تصرفهم، في مغامراتهم ومؤامراتهم ضد هذا الشعب العظيم، وضد قضيته العادلة المقدسة.

إخوتي وأخواتي،

يا كل الأهل في الوطن الحبيب،

إننا نقف الآن على تخوم الهدف الوطني الكبير الذي قدمنا آلاف الشهداء والأسرى على سبيله، وتدركون يا أهلنا ما تدركه ثورتكم من أن المؤامرات ستشتد، والتحديات ستتعاظم؛ بغية الحيلولة بيننا وبين بلوغ هدفنا الوطني، ولدفعنا خطوات إلى الوراء، بعد كل هذه الإنجازات الكبيرة التي انتزعناها من براثن الأعداء بدمنا وتضحياتنا، لذا فإننا -ونحن نعيش أروع الانتصارات في الوطن المحتل وخارجه- لا نغفل عن التحديات الماثلة أمامنا، فنتعامل معها تعامل المؤمن بربه والواثق من نفسه وشعبه وثورته، متطلعين دومًا إلى الأمام، سائرين بعزيمة الثوار نحو الهدف، مستندين إلى جدار قوي من الوحدة الوطنية الراسخة والديمقراطية الأصيلة الخلاقة بين كل روافد العمل الوطني الثوري داخل الوطن وخارجه، مصممين على التقدم بقوة واستمرار، رغم المعارك السياسية والعسكرية القاسية والعصيبة التي تحاول اعتراض سبيلنا في كل منعطف، على الطريق النضالي الطويل، وإننا لمنتصرون بإذن الله.

أحييكم يا أهلنا في كل الوطن المحتل،

وأشد على أياديكم الطيبة القوية، التي كسرت بتصميمها وعنادها قبضة شارون الحديدية المزعومة،

 وباسم كل شعبنا داخل الوطن المحتل وفي كل مكان،

وباسم أبنائكم الثوار المقاتلين،

وباسم كل المناضلين في ثورتنا الكبيرة العملاقة؛ أعاهدكم على أن نبذل كل التضحيات من أجل مواصلة مسيرتنا الظافرة نحو هدفها الوطني المنشود. وأقول له بثقة المناضلين الثوار، ومن قلب شلال الدم الذي لم يتوقف لحظـة واحدة، إنه لن يكون بعيدًا ذلك اليوم الذي ترفع فيه جماهير شعبنا العربي الفلسطيني وثورتكم المباركة علم فلسطين فوق سماء القدس وكل الوطن.

وإنها لثورة حتى النصر.

المراجع:

الوثائق الفلسطينية العربيه للعام 1981، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، ص 454، 455، 456.

وكالة وفا، بيروت، 14/11/1981، ص 5 – 8.