الرئيسية » خطابات الرئيس الراحل ياسر عرفات »

خطاب عرفات أمام المؤتمر الإسلامي- المسيحي

15 كانون الأول 2024

خطاب عرفات أمام المؤتمر الإسلامي- المسيحي

 

بسم الله الرحمن الرحيم
(ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون).
صدق الله العظيم

"المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة".

غبطة البطريرك ميشيل صباح، سماحة الشيخ تيسير التميمي، الأرشمندريت عطا الله حنا، الشيخ عبد الله نمر درويش،

أصحاب الغبطة والسماحة والفضيلة الكرام،

السيدات والسادة المشاركون والضيوف والحضور الكرام،

إنه لشرف كبير لنا، أن نلتقي بكم اليوم، هنا في مقرنا المحاصر، مرحبين بكم، وأنتم تعقدون مؤتمركم الإسلامي المسيحي الدائم في فلسطين، وبحضور هذه النخبة المميزة من رجال الدين وأهل الكلمة والفكر، هذا المؤتمر العتيد الذي تعقدونه تحت شعار: مسلمون ومسيحيون يجسدون الوحدة الوطنية في الدفاع عن فلسطين ومقدساتها.

إننا في فلسطين أقوياء بهذه الوحدة، وهذا التكافل الأخوي والوطني الراسخ، وإن فلسطين أرضًا وشعبًا وقيادةً لتعتز بذلك، فوطننا هو مهد المسيحية الأول، فعلى هذه الأرض الطاهرة المقدسة المباركة وُلد السيد المسيح عليه السلام، ومنها كانت رفعته إلى السماء إلى العلا، ومن على أرضها انطلق تلامذته إلى آفاق الدنيا قاطبة، ليبشروا برسالته، رسالة المحبة والسلام، وإلى هذه الأرض، أرض فلسطين الأرض المباركة، "وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ"، كانت مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلام، ومنها كان معراجه إلى السماوات العلا، وفي رحاب القدس الشريف كانت العهدة العمرية، التي نحن جميعًا في فلسطين مسيحيين ومسلمين ورثناها، ونحافظ عليها بكل إخلاص وأمانة، وشعبنا بوحدته وتماسك صفه ولحمته، يقدم للإنسانية بأسرها نموذجًا فريدًا في التسامح والتعايش والتآخي والتفاهم فيما بين أبنائه، الأمر الذي نعتز به اعتزازًا كبيرًا، ونحميه بقلوبنا وعيوننا؛ فشعبنا -وعبر كل المحن، وفي السراء والضراء- كان وما زال على الدوام واحدًا متوحدًا، يعيش على هذه الأرض ويدافع عنها، ويحميها بدمه وتضحياته الجسام، يوحده إيمانه وانتماؤه لهذه الأرض المباركة بمقدساتها، وبمقدساتنا المسيحية والإسلامية، ولتاريخه العريق وحضارته المشعة، في نموذج إنساني نفتخر به وتعتز.

وها نحن جميعًا اليوم نواجه هذه الغطرسة، وحرب الإبادة، والمجازر الدموية والاجتياحات العسكرية، وعمليات القتل والاغتيال والاعتقال والتنكيل والإذلال، وجدار الفصل العنصري الذي يلتهم ويصادر 58% من أرضنا، وهذا الاستيطان المتزايد ليلًا نهارًا وفي كل مكان، ولكن "إحنا وإياكم والزمن طويل" و"يا جبل ما يهزك ريح"، الاستيطان الذي يلتهم مزيدًا من الأرض وآبار المياه ومزارعنا بجانب الجرائم العنصرية، التي تمارسها إسرائيل، قوة الاحتلال، ضد جماهير شعبنا، إلى جانب التدمير المنهجي لبنيتنا التحتية كلها الرسمية والشعبية، ولمؤسساتنا العامة والخاصة، في كافة مدننا وقرانا ومخيماتنا، وتحويلها إلى سجون مغلقة، وحرمان مواطنينا من أبسط حقوقهم الإنسانية الأساسية، التي كفلتها لهم كافة الشرائع السماوية والقوانين والمواثيق والأعراف والقرارات الدولية، هذا بالإضافة إلى استمرار إسرائيل، قوة الاحتلال، بانتهاك حرمة مقدساتنا المسيحية والإسلامية، وتهديداتها المستمرة للمساس بها، وإغلاق الطريق التاريخي والديني بين كنيسة المهد في بيت لحم وكنيسة القيامة في القدس الشريف بهذا الجدار العنصري، نعم وآخر تلك المؤامرات ما يحاك ضد الحرم القدسي الشريف، والمسجد الأقصى المبارك، وقبة الصخرة المشرفة من نوايا مبيتة لتدميره من قبل غلاة المستوطنين والمتطرفين اليهود فيهم، والذين تحميهم هذه القوة العسكرية التي  حولنا والتي هي بعيدة عنا، وأنتم تعرفون، ومنع أهلنا المسيحيين والمسلمين من الدخول إلى القدس الشريف، وعدم الصلاة في كنيسة القيامة والحرم الشريف، وكذلك تدمير المباني القديمة الأثرية في البلدة القديمة بالخليل وما يجري اليوم في وادي النصارى لعمل الطريق من كريات أربع حتى الحرم الشريف من أمس حتى اليوم في وادي النصارى حوالي 30 مسكنًا لشق الطريق من مستوطنة كريات أربع؛ للسيطرة الكاملة على الحرم الإبراهيمي الشريف، وكذلك تدمير الكنيسة الأثرية لـ "سِتنا بربارة" في قرية عابود، وكذلك الكنائس والمساجد في البلدة القديمة في نابلس، وفي كثير من المناطق في الضفة والقطاع. ولكن، "يا جبل ما يهزك ريح"، إن شاء الله سيعيد شعبنا بناءها شجرة شجرة، وغصنًا غصنًا، وحجرًا حجرًا، و"احنا وإياهم والزمن طول". إن فلسطين اليوم، أرضًا وشعبًا وقضيةً، لهي أحوج ما تكون إلى دعم وتضامن كل الأشقاء والأصدقاء والشرفاء والأحرار، ومحبي العدل والسلام والديمقراطية في العالم، لوقف هذه الممارسات الإجرامية ضد أرضنا وشعبنا ومقدساتنا، ولا بد من رفع الصوت عاليًا في وجه بناء وتوسيع المستوطنات والمستعمرات الاستيطانية الاحتلالية، ومصادرة الأراضي، وبناء هذا الجدار العنصري للعزل والتمييز، جدار الفصل العنصري الذي تقيمه إسرائيل في أراضينا في الضفة، بجانب السيطرة على مياهنا الجوفية، وتهجير حتى الآن وطرد أكثر من 600 ألف مواطن فلسطيني من ديارهم ومساكنهم ومزارعهم وممتلكاتهم، وحرمانهم من مصادر رزقهم، كل ذلك يتم في الوقت الذي أعلنت فيه محكمة العدل الدولية، والجمعية العامة للأمم المتحدة، إدانتها لهذا الجدار العنصري، واعتبرته غير قانوني وغير شرعي وتجب إزالته، وطالبت بتعويض شعبنا عما لحق به من أضرار مادية ومعنوية من جرائه، هذا الجدار الذي يقام في وقت أصبح فيه العالم بأسره قرية كونية واحدة، ولذلك قداسة البابا قال: بدلًا من الجدار ابنوا جسور السلام، ونحن في أحوج ما نكون إلى جسور محبة وتفاهم وتعايش وحسن جوار، واحترام وثقة متبادلة، وليس لجدار عزل وفصل وتمييز عنصري، وإنني أوجه بهذه المناسبة الطيبة معكم التحية والإكبار والاعتزاز إلى زعماء ورعية كنيسة بروسبيتريان في أمريكا، إلى كنيسة أبيسكوبيليان على مواقفهم الشجاعة التي صدرت مؤخرًا ضد ما يحدث ضد شعبنا ومقدساتنا، نعم، وقراراتهم المتعلقة بسحب استثماراتهم من إسرائيل، نتيجة للسياسة الإسرائيلية العدوانية ضد الشعب الفلسطيني.

كما نوجه التحية لجميع المصلين المسيحيين الكوريين المتضامنين مع شعبنا، وكذلك مع جميع المسيحيين المتضامنين مع شعبنا في أوروبا وفي أمريكا اللاتينية وكندا، وفي العالم أجمع، وفي أفريقيا وآسيا، هؤلاء الذين يقفون معنا بقوةٍ وصلابةٍ وإيمان، وهذه المسيرة التي تمت إلى بيت لحم، رغم المسافة الطويلة التي قاموا بها، ونود في هذا المقام أن نؤكد لكم، ومن خلالكم للعالم أجمع، على أننا تمسكنا وما زلنا متمسكين بخيار السلام الشامل والدائم والعادل، سلام الشجعان، الذي يضمن الأمن والاستقرار للجميع "وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ"، الذي يضمن الأمن والاستقرار للجميع، بما في ذلك لجيراننا الإسرائيليين، وخاصة القوى المحبة للسلام ومن يكفل لشعبنا العيش بكرامة وحرية وسيادة واستقلال في وطنه فلسطين بعاصمتها القدس الشريف، وإننا لنتطلع لرؤية السلام يسود ربوع بلادنا. ومن مؤتمر الحوار هذا نمد يدنا لجيراننا الإسرائيليين، وندعوهم للحوار والتفاوض، لإيجاد حل عادل يقوم على الحق والعدل، ويضمن لكل ذي حق حقه، ويفضي إلى السلام المنشود، الذي ستنعم بثماره كافة شعوب ودول المنطقة.

كما بدأناها سويًا في الإسكندرية سويًا في الإسكندرية ونتابعها هنا في القدس الشريف إن شاء الله.

مرة أخرى أحييكم، أيها الإخوة الأحبة، أحييكم إخواني رجال الدين المسيحي والإسلامي، أحييكم وأتمنى لمؤتمركم العتيد كل النجاح والتوفيق، والخروج بالقرارات والتوصيات التي تعود بالخير على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا، ومستقبل أجيالنا على هذه الأرض الغالية.
ومعًا وسويًا وجنبًا إلى جنب حتى القدس الشريف، حيث سيرفع شبل من أشبالنا وزهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق أسوار القدس وكنائس القدس ومآذن القدس عاصمة دولتنا المستقلة الفلسطينية، شاء من شاء، وأبى من أبى. ومعًا وسويًا وجنبًا إلى جنب حتى القدس.

والسلام عليكم