الرئيسية » خطابات الرئيس الراحل ياسر عرفات »

خطاب للسيد ياسر عرفات أمام المؤتمر الاستثنائي الطارىء لوزراء خارجية الدول العربية.

15 كانون الأول 2024

خطاب للسيد ياسر عرفات أمام المؤتمر الاستثنائي الطارىء لوزراء خارجية الدول العربية.

تونس ، 22/5/1981

بسم الله الرحمن الرحيم

( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )

أيها الإخوة.

إن هذا الاجتماع الاستثنائي الطارئء الذي دعت إليه الجمهورية الجزائرية، لمواجهة التحديات الصعبة والخطيرة المحدقة بأمتنا العربية، وفي هذا الظرف الدقيق والخطير الذي تمر به، أمام التحديات والتصعيد العسكري الإسرائيلي ( ضد الشعبين اللبناني والفلسطيني ). أقول: إن اجتماعنا هذا، وفي ظل هذه الظروف، إنما يعني تجديدًا حقيقيًّا لمعنى التضامن العربي في مواجهة الخطر الصهيوني والاحتلال الصهيوني  لأراضينا العربية والفلسطينية ولقدسنا الشريف. أقول مرة أخرى: أرجو أن يتقبل الإخوة في الجزائر شكري العميق وشكر منظمة التحرير الفلسطينية والشعب الفلسطيني ومجاهديه، على مبادرتهم للدعوة لهذا الاجتماع، ثم أشكر إخواني في الدول العربية الذين سارعوا إلى تلبية هذه الدعوة والإعلان عن مواقفهم الصريحة والواضحة، قبل أن يحضروا إلى هنا، مع منظمة التحرير الفلسطينية ومع سورية ولبنان الشقيق. وأن منظمة التحرير الفلسطينية ومنذ أن بدأت الأزمة تتفاعل في لبنان، ومباشرة بعد أن عقد المجلس الوطني الفلسطيني، اضطررنا أمام خطورة الأحداث، أن نختصر يومين من اجتماعاتنا لنتواجد في أماكننا ونؤدي واجباتنا النضالية، ومنذ تلك اللحظة قامت منظمة التحرير الفلسطينية بالاتصالات مع جميع الإخوة والقادة والمسؤولين العرب، من أجل أن نقف وقفة رجل واحد، وقلب واحد، في مواجهة التحديات، كأمة عربية وكشعب فلسطيني. أيها الإخوة، هناك قرار أمريكي - إسرائيلي  بتصعيد العدو الصهيوني لعملياته العسكرية الإجرامية ضد الشعبين اللبناني والفلسطيني، وليس هذا فقط، ولكن أرجو أن تعرفوا أن ما نواجهه الآن هو جزء لا يتجزأ من مؤامرة كامب ديفيد. وليس من قبيل الصدف أن منطقتنا  العربية محاصرة بثلاثة أساطيل بحرية أمريكية، الأسطول الثالث في البحر الأبيض المتوسط، والأسطولان الخامس والسادس في البحر الأحمر والمحيط الهندي والخليج، وليس هذا فقط،  فهنالك قرار بتشكيل ما يسمى  بقوة التدخل السريع  للسيطرة على  منطقتنا العربية،  انطلاقا من موقعها الإستراتيجي، ومن أن ٨٠% من احتياطي البترول في العالم فيها. وكما هو معروف فإن البترول هو الدم الذي يسري في شريان العالم. إضافة إلى هذا -وللأسف- فإن القواعد العسكرية الأمريكية استطاعت أن تشق طريقها وتصبح حقيقة في أرضنا العربية، كذلك فهناك الضغوطات المستمرة على كل بلادنا العربية لإعطاء التسهيلات والمزيد من التنازلات لأمريكا؛ لتزيد من قبضتها على أمتنا العربية. ومضى ابو عمار قائلا: في هذا الوقت بالذات، يقوم العدو الصهيوني -وبكل غطرسة وعجرفة- بتصفيات داخل أرضنا المحتلة، ومصادرة الأراضي فيها، وإقامة المستوطنات عليها.  واعتقال أهلنا، فهناك ٢٤ ألف مناضل ومناضلة في سجون العدو، هذا غير عمليات الاغتيال التي تحدث لقياداتنا داخل الأرض المحتلة، والتي نجح بعضها كما في سجن نفحة، حيث استشهد ثلاثة من كوادرنا القيادية. واضاف: لا بد أن أذكركم بما حصل لبسام الشكعة، وإبراهيم الطويل، وكريم خلف، وغيرهم من القيادات التي تطرد باستمرار، إضافة إلى تهويد القدس والأراضي المقدسة، وتهويد الحرم الإبراهيمي في الخليل، وغيرها من الأعمال الوحشية الإجرامية الأخرى. واستطرد ابو عمار قائلا: ليس هذا فحسب، فلقد بدأت حرب إبادة واستنزاف ضد الشعب الفلسطيني ليس فقط داخل الأراضي المحتلة بل وخارجها أيضا، وشاركنا في هذا المصير المؤلم شعبنا الشقيق المناضل الشعب اللبناني، وخاصة في جنوب لبنان منذ شهر أغسطس [ آب ] ۱۹۸۱ وحتى الآن. وأضاف: ومنذ ذلك التاريخ ونحن نخوض حرب استنزاف، باعتراف القادة العسكريين والسياسيين (الإسرائيليين)، وبدعم كامل من الولايات المتحدة، حيث يستخدم هذا العدو أحدث آلات الحرب الأمريكية ضد الشعبين اللبناني والفلسطيني.  هذه الحرب التي بدأت منذ تسعة أشهر، بمحاولة احتلال قلعة الشقيف، قلعة صلاح الدين، والتي فشلت أمام صمود القوات المشتركة. وأكد ابو عمار: إن عدونا يستخدم أحدث الأسلحة ضدنا، بما فيها المحرم دوليا، لقد أصبحنا حقل تجارب لهذه الأسلحة التي تنصبّ علينا برًّا وبحرًا وجوًّا في حرب إبادة، قالها بيغن يوم 11/5 ، في أن  إسرائیل تلتقي مع أمريكا في ثلاثة أمور هي:

  • مواصلة حرب الإبادة ضد الفلسطينيين ومنظمة التحرير الفلسطينية.
  • إخراج قوات الردع العربية من لبنان.
  • التصدي  للخطر السوفياتي  في الشرق الأوسط.

وقبل أيام وعد بيغن بالحرب، (وبتدمير وتحطيم الفلسطينيين) كذلك تصريحات جنرالات صهاينة آخرين، تنصب على تصفية الثورة الفلسطينية وإبادة الشعب الفلسطيني. وأضاف: أذكركم بتصريحات ألن مستشار الأمن القومي في الإدارة الأمريكية الأخيرة، والتي قال فيها: (حق إسرائيل في المطاردة الساخنة ضد الفلسطينيين)، كذلك بتصريحات ريغان في أول مقابلة أجراها، حيث ركز هجومه على منظمة التحرير الفلسطينية، وانتهاء بتصريحات المتحدث الرسمي للبيت الأبيض، مرورًا بتصريحات هيغ التي هاجم بها منظمة التحرير الفلسطينية وسورية، والتي أعطوا فيها الدليل القاطع الأمريكي المفضوح لتصفية الشعب الفلسطيني والثورة الفلسطينية وضرب سورية الشقيقة. 

وناشد ابو عمار وزراء الخارجية العرب قائلا : إنني هنا أعطي المعلومات، ولا أحلل، ومن حقي أن أضع ما أمكن من همومي، وأن أوضح هذه المذابح وحرب الإبادة ضدنا.  وإنني مطالب من موقعي أن أقول لكم، وأن أناشدكم بكل المقدسات التي تربطنا سويًّا، وبكل القيم، أن تقفوا مع شعبنا الفلسطيني في هذه اللحظة الخطيرة، والحاسمة، فإذا لم أضعها أمامكم، أین أضعها؟ ثم استعرض الاخ ابو عمار، تسلسل الاحداث التي جرت منذ 1/1/1981 وحتى الآن في لبنان قائلا : من المفيد أن نتذكر بعض ما حدث على إثر قيام قوات الردع العربية بواجبها في زحلة، حيث اعتُدي عليها، وقد حذرت من خطورة ما يحدث في زحلة، وفي جبال صنين، وتلال زحلة منذ عدة شهور، في اجتماعاتنا مع العسكريين السوريين ومع الرئيس الأسد، إلا أنه حدث ما حدث، ثم حدثت المعارك على تلال زحلة وتلال صنين، واستغرب الكثير منكم عنف هذه المعارك، ولكنه لم يكن هناك قتال في زحلة، بحيث عندما بعثت فرنسا طائرتين لنقل الجرحى إلى زحلة لم تجد غير أربعة فقط.

وأضاف الاخ القائد العام، إن أهمية زحلة تنطلق من الموقف الإسرائيلي  في الجنوب والمخطط  الإسرائيلي الأمريكي في الجنوب. وقال هناك ثغرة طولها 9 كلم أمام قلعة النبطية موازية لنهر الليطاني وقد طلبت من فالدهايم، وقادة القوات الدولية سد هذه الثغرة، لكنهم أجابوا بعدم استطاعتهم القيام بذلك؛ لأن  إسرائيل  تمنع القوات الدولية في هذه الثغرة، ومحاولتها الأخيرة لاحتلال قلعة الشقيف والجرمق والريحان والعيشية لأنها إذا استطاعت ذلك تتمكن من الوصول إلى بوابة دبين؛ فتكون الطريق إلى زحلة مفتوحة، فزحلة مرتبطة بهذا المخطط الإسرائيلي الأمريكي، لتحاصر قواتنا الفلسطينية والقوات المشتركة، وتفصل لبنان وسورية التي هي خط إمدادنا الوحيد. وقال ابو عمار : ليس سرًّا أننا محاصرون برًّا وبحرًا وجوًّا، وسورية هي ممرنا الوحيد.  ثم تساءل هل إدخال الصواريخ الدفاعية تعتبره  إسرائيل  أسلحة هجومية، في حين وأنتم وافقتم أن تدخل كل قوات الردع العربية وأسلحتها، أليست المدرعة والمدفع سلاحًا هجوميًّا، إذن لماذا تهاجَم سورية في أمريكا، وترسل فيليب حبيب إلى المنطقة، وتتحرك الأساطيل إلى المياه الإقليمية، وهناك تكامل، ليس المقصود مظاهرة عسكرية، وإنما هو إكمال مخطط (كامب ديفيد)؛ لتركيع المنطقة.  وعندما اجتمعنا في بغداد قلنا: لا لـ (كامب ديفيد)،  وكان لا بد من فرض هذا التضامن العربي، إذا كانوا يتصورون أنه بتوقيع مصر على اتفاقيات  كامب ديفيد سيتبعه الباقون.

وقال نحن أدنّا المؤامرة، ووضعنا خطة بعدم السماح بمرورها، وأنا أُشاطر الأمين العام فيما قاله من أن دولًا كانت لها خلافات مع سورية، والآن قالت: نحن مع سورية. هذا شيء مشجع، ثم قال وسط هذا، لا بد أن نتذكر أننا بحاجة إلى وقفة جديدة، وهذا الاجتماع مبارك، ونحن في مفترق الطرق، نكون أو لا نكون. لقد أثبتت وقفة العز، وقفة سورية والثورة الفلسطينية أمام التحدي الإسرائيلي وأمام تهديده وعدم الركوع له، أثبتت وقفة الصمود والدعم الذي أعلنته دولكم العربية جميعها، بمساندة ودعم الكثير  لهذا الموقف، إذ إن أمتنا العربية تستطيع أن تفعل، ولدينا الإمكانيات والقدرات السياسية والعسكرية والمالية والبشرية. ثم قال نحن نواجه أمريكا: أليست فضيحة أن يأتي (حبيب) ليعلن في الإذاعة أنه اجتمع بالقيادات الإسرائيلية  ليعرضوا عليه الموقف العسكري، ولم يجتمعوا مع بيغن من أجل ذلك.  لقد أثبتت حرب ۱۹۷۳ قدرتنا على سد الثغرة لولا ما حدث فيها من خيانة بعد ذلك، نحن مطالبون أن نقف وقفة طويلة، لأن التاريخ يسجل، ولا يرحم أحدًا، نحن في منظمة التحرير الفلسطينية عندنا قرار مواصلة  القتال ومواصلة القتال حتى النصر، وسنقاتل حتى آخر قطرة دم، وآخر حجر يحمله طفل في الوطن المحتل.  ومن هنا، نحن مطالبون جميعًا أن نضع على هذه الطاولة بصراحة ووضوح ما نستطيع أن نقدمه لهذه المعركة، ولمنع تصفية الثورة الفلسطينية، ولمنع حرب الإبادة ضد الشعبين اللبناني والفلسطيني، ولمنع الدمار والجحيم الذي يعيشه الشعبان، والذي انتقل بتخطيط ليشمل شمال لبنان أخيرًا، نقول قرارنا بوعي ودمنا ليس ماءً، بل هو ملح الأرض ويجب أن ندفع الثمن، وفخرنا أننا نصحو على قائمة خسائر، وننام على قائمة خسائر. واختتم كلمته قائلا : إن ٥٤ طائرة فانتوم صهيونية ألقت على ۱۱ موقعًا  650  طنًّا، وسقط ٩٥ شهيدًا وجريحا في يوم واحد. وأضاف : يجب أن نضع في هذا الاجتماع كل أوراقنا بصفاء وبقوة، وبدون مزايدة، وتقديم ما يمكن تقديمه، والتاريخ يسجل ولا يرحم.

المراجع:

وفا، بيروت، 23/5/1981، ص 2-6.

الوثائق الفلسطينية العربيه للعام 1981، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، ص 232،233،234.