خطاب للسيد ياسر عرفات أمام المؤتمر الدولي للتضامن مع العراق
خطاب للسيد ياسر عرفات أمام المؤتمر الدولي للتضامن مع العراق
بغداد، 13/7/1981
الأخ الرئيس، الإخوة والرفاق،
جئت لأشارك هؤلاء الإخوة الذين جاؤوا من مختلف أنحاء العالم للتضامن، ليس مع العراق، وإنما للتضامن مع أمتنا العربية، جئت إليكم من هذا الخندق المتقدم الذي يقاتل دفاعا عن أمتنا العربية ضد الهجمة الصهيونية. هذه الهجمة النازية الجديدة في منطقتنا التي تريد أن تُركع هذه الأمة، وتفرض منطق القوة والسيطرة، منطق الصهيونية، على أمتنا العربية، ليس منطق السلاح التقليدي، ولكن، بعد ضرب المفاعل النووي العراقي تريد أن تفرض على أمتنا تفوقًا نوعيًّا؛ لتقول إنه ممنوع على هذه الأمة أن تدخل العصر الذرّي، ممنوع عليها أن تدخل عصر التكنولوجيا، تريدها أن تبقى أمة مستعبدة ومضطهدة، لكني أقول باسم أحرار أمتنا العربية، باسم الشرفاء في هذا العالم: إن هذا منطق مرفوض، أمربكا تقدم كل الدعم للكيان الصهيوني والمتمسك بآلة الحرب والدمار الأمريكية الحديثة. ماذا يريدون؟ أن تستسلم هذه الأمة أذكّر أمريكا التي وقفت وراء ضرب المفاعل النووي، فمعروف أن الاقمار الصناعية الأمريكية زودت آلتها الحربية، رأس الجسر المتقدم للإمبريالية، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية بصور دقيقة ومفصلة عن المفاعل العربي، ولن أقول يا أخي الرئيس المفاعل العراقي، وليس هذا فقط، وإنما أرسلت -وحسب قول بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية، وأقول: بعض المسؤولين العسكريين في الكيان الصهيوني، وإنه جاءت بعثة عسكرية أمريكية إلى النقب، لتشرف على التدريبات الإسرائيلية والأمريكية على المجسم الذي عملوه للمفاعل. إذن لم يضرب هذا المفاعلَ العربي في بغداد إسرائیلُ، إنما الذي ضرب في بغداد هو أمريكا وبقرار أميركي، وأذكر بتصريح قاله مسؤول أمريكي: "كنا نعرف بضرب المفاعل بخططه، وإن الخلاف كان على التوقيت، أي الخلاف كان قبل الانتخابات الإسرائيلية أم بعدها". من موقعي في الثورة الفلسطينية للقوات المشتركة اللبنانية - الفلسطينية أقول: الآن دخلنا مرحلة جديدة، مرحلة ضرب المفاعل العربي، ومرحلة ما بعد الضربة. إن الأمة العربية أمام منعطف إستراتيجي: هل نكون على مستوى التحدي الكبير أم لا؟ أتساءل: أليس من حق الصناعة الفرنسية والأوروبية أن تقول: لماذا يُضرب المفاعل الذي صنعته فرنسا؟ هل هذا في منعطف الكارتي الدولي؟ أم لا حماية للصناعة الأوروبية واليابانية!
إن الحماية فقط للصناعة الأمريكية. هذا ليس بمطروح فقط علينا كأمة عربية، وإنما مطروح على كل العالم على كل الأحرار في العالم. أذكر قبل سنة ونصف، إسرائيل مع جنوب إفريقيا كانتا تقومان بتقديم أسلحتهما النووية الإجرامية ضد شعوب جنوب إفريقيا وضد الأمة العربية. وكما قال الرئيس أن نتذكر الشعار فوق الكنيست: هذه أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل، ثم رفعوه بعد خمس سنوات وأبقوه في الكنيست. إن ضرب المفاعل هو إنذار لأمتنا العربية وللعالم. بعد الانتخابات، تشلر أحد مستشاري الإرهابي بيغن -وثائق البوليس البريطاني تقول- إنه هو وبيغن مطلوبان للإنتربول. تشلر يقول بكل وقاحة: إن يدنا طويلة، نستطيع أن نحتل آبار البترول، ثم نفرض أسعارًا جديدة للبترول. إذن بدأت النوايا العدوانية تتضح، كنا نعرف نحن في القوات الفلسطينية اللبنانية المشتركة أنهم لن يعرفوا، وما زالوا يعلقون الآمال على رسل أميركا ومساعيها في المنطقة. إني أقول لهؤلاء: انكشف القناع في نفس الوقت لكل الأصدقاء والحلفاء. إلى متى العربدة الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة؟! وهل من حق أمريكا أن تحرك الآلة العسكرية الإسرائيلية دون رادع؟ هذا سؤال مطروح على كل أحرار العالم. وأطرحه للعالم ليس شكوى، وخاصة الضمير الرسمي العربي، بأنه لم يعد يفهم لغة الضمير والمنطق. وأطرحه على أحرار العالم ليقولوا كلمتهم، ماذا يجب على أمتنا أن تفعل؟ هذا الخطر الداهم على أولادنا. ومن هنا، من حقنا أن نستخدم كل الطرق للمحافظة على وجودنا، مستقبل أولادنا مهدد، نحن أمام معركة وجود، نكون أو لا نكون.
من هنا أطالب أحرار العالم أن يقفوا مع أمتنا، مع الشعبين اللبناني والفلسطيني اللذين يواجهان يوميًّا الطائرات الأمريكية والغارات الإسرائيلية بأوامر أمريكية الاعتداءات برًّا وبحرًا وجوًّا، يوميًّا غارات، أمس رقم (۷) خلال ٤٨ ساعة؛ حتى نفهم حجم الهجمة علينا. إنني أقرع الجرس ليس للعرب، وإنما لأحرار العالم. اسمح لي -أيها الأخ الرئيس أن أنادي باجتماع عربي على مستوى القمة مسؤول، يبحث مرحلة ما بعد ضرب المفاعل، بعدها أطالب باجتماع لمجلس الدفاع المشترك؛ ليضع خطة للدفاع عن أمتنا. في نفس الوقت أدعو كل العالم وأحراره أن يقفوا بصدق ضد هذه النازية الجديدة. عقلية "الكاوبوي" التي تتحكم بالبيت الأبيض والإرهابي بيغن، نحن لسنا ضد اليهود، كما قال الرئيس، أمتنا أرض الرسالات، نحن ضد الصهيونية. أمس تأخرت بالوصول -سيدي الرئيس- لأنه كانت غارات جوية على الناعمة والدامور والزهراني، أريد أن أسال: هل هناك مفاعل ذري؟! هناك قرار اميركي بتصفية الثورة الفلسطينية، بإبادة الشعبين الفلسطيني واللبناني. وأذكّر بما قاله ريتشارد ألن، ولا أريد أن أقول تصريحات ريغان منذ أن استلم الإدارة الأميركية ضد منظمة التحرير الفلسطينية، فقال ألن في تصريحه: حق إسرائیل بالمطاردة الساخنة للفدائيين.
هل هؤلاء جزء من أمتنا العربية؟ اسأل السادات الذي سار بنهج كامب ديفيد، والذي قال: لا حرب بعد اليوم. ماذا يحدث في الجنوب أزمة الصواريخ؟ ضرب المفاعل، ما هذا العدوان الذي نواجهه.
الرئيس تكلم عن امتلاك إسرائيل أسلحة ذرية، حيث معلوم عددها، ما بين ٢٣ و ٢٥ قنبلة. إذن كل العواصم مهددة، إذن المطروح تحدي العالم، التحدي الذي وصل بهذه العصابة الإسرائيلية أن تنزل، وتضرب الجنوب والمفاعل بالمزاد الانتخابي. هذا التعصب النازي والفاشي الذي تواجهه أمتنا العربية في غرفة العمليات العسكرية التي تجعل من أمتنا العربية هدفًا لها، وأقول: ليسمعني رئيس النظام المصري، وأذكّر بمحاولة ۱۹۷۰ التي تمت ضد القناطر الخيرية ونجع حمادى، كذلك خطة ضرب مشروع الثرثار ومشروع الفرات وآبار البترول في المنطقة، هذا الكلام يجب أن نضعه عقيدة وممارسة، ومن حقنا أن نواجه بمستوى التحدي المطروح علينا، ومن حقنا على أصدقائنا وأحرار العالم أن يقفوا معنا في هذا المنعطف الذي هو ضد كل من هو حر وشريف وتقدمي في العالم. من حقنا أن نقول إن أساطيل السادس في الأبيض المتوسط، الخامس والسابع في الخليج العربي والمحيط الهندي والبحر الأحمر، غير قوة التدخل السريع التي بدأت طلائعها تصل، والذين للأسف بدأوا يجهزون قواعد رأس بناس، بربرة مصيرة، عمان. متى كانت التكنولوجيا والتقدم بالسلاح يخيفنا؟! أمتنا العربية لم تنتصر بكثرة السلاح والرجال، انتصر الشعب الفيتنامي الذي واجه حرب الاستفزاز، كما ذكر الأخ الرئيس إن قرارنا هو القتال، والقتال حتى النصر على هذا العدو الصهيوني الفاشي والإرهاب النازي. ومن على هذا المنبر، اسمحوا لي، كما أن أمتنا مطالبة بموقف سريع مسؤول وشامل في مستوى التحديات، أطالب يا أخي الرئيس بضرورة وقف الحرب العراقية - الإيرانية، أنا وما زلت أذكر ما عرض من هدنة رمضان، للاسف لم تجد، من حقي أن أقول: لا بد أن توقف هذه الحرب، أمامك يا أخي الرئيس، وأوجّهها إلى طهران من هنا. أقول كذلك لمن اجتمعوا في مدريد، وقبل اجتماع مدريد، وتحدثوا عن الأمن الأوروبي، أي أمن أوروبي؟ هل من الممكن ذلك بدون وجود أمن في الشرق الأوسط، فلا استقرار في العالم إذا لم يكن استقرار في الشرق الأوسط، إذا متحل القضية في الشرق الأوسط وقضيتنا المركزية فلسطين. باسم الشعب الفلسطيني الذي أربعون بالمائة منه تحت الاحتلال يناضل بالحجارة: إننا سننتصر، وأنا أؤمن بالنصـر، وما نواجهه هو المخاض الأليم لميلاد الأمة العربيــة العظيم. هذه رؤية مستقبلية فيها كل التفاؤل. رغم كل المصاعب. نحن مع مجرى التاريخ، وهم ضد مجرى التاريخ وسيهزمون.
وانها لثورة حتى النصر.
المراجع:
الوثائق الفلسطينية العربيه للعام 1981، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، ص 316.315،314.
وكالة وفا، بيروت، ۷/۱۳/ 1981، ص 2، 6 .