الرئيسية » خطابات الرئيس الراحل ياسر عرفات »

خطاب للسيد ياسر عرفات أمام مؤتمر برلمان الشعوب للسلم العالمي في صوفيا 1980

15 كانون الأول 2024

خطاب للسيد ياسر عرفات أمام مؤتمر برلمان الشعوب للسلم العالمي في صوفيا

صوفيا، 23 / 9 / 1980

أيها الرفاق،

ينعقد مؤتمرنا هذا في ظل ظروف عالمية يتصاعد فيها نضال الشعوب، وقد هُزمت القوى الإمبريالية في أكثر من مكان، في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. لقد أثبت عصرنا أنه بِحقّ عصر انهيار الإمبريالية وانتصار إرادة الشعب. وما الإنجازات التي حققتها قضية فلسطين في معاركها السياسية والعسكرية وغيــرها من المعــارك التي يخوضها شعبنا، إلا الدليل على هذه السمة الحاسمة لعالمنا، والمناهض للقوى المعادية للشعوب المناضلة. تلك الشعوب التي ساعدت وتساعد شعبنا الصغير أن يثبت في وجه إرهاب الدولة الإسرائيلية وقوى الصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية، ويحقق هذه الإنجازات على طريق النصر النهائي، فكيف يمكن أن تصمد خلال الست عشرة سنة الماضية في ظروف شديدة التعقيد والقسوة لولا الدعم والتأييد والمساندة التي يجدها شعبنا من أصدقائه وحلفائه، من القوى الديمقراطية، والقوى التقدمية، والقوى المحبة للسلام والحرية والعدالة الاجتماعية. كيف يمكن أن نصمد لولا هذا الموقف الصديق الداعم من الدول الاشتراكية الصديقة، وفي مقدمتها الاتحاد السوفياتي الصديق، الذي يقف مع قضية شعبنا ومع حقنا العادل في العودة وتقرير المصير واقامة دولتنا المستقلة، ولهذا سننتصر بهؤلاء الأصدقاء الحلفاء والأوفياء، وبإرادة شعبنا وبتصميم أمتنا وكفاح ثوارنا.

ولا يعني هذا أيها الرفاق، أن الإمبريالية العالمية والقوى الصهيونية والفاشية والعسكرية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية قد تخلت عن أطماعها وعن خططها للسيطرة على مقدرات الشعوب، لقد بدأت تدفع بالعالم من جديد إلى سياسة التصعيد للحرب الباردة، وازداد التوتر الدولي على مستوى كل القارات، وخصوصًا في أوروبا والشرق الأوسط. ففي أوروبا طرح مشروع زرع صواريخ بيرشينغ وكروز؛ الأمر الذي يهدد السلم العالمي بأشد الاخطار، وفي البحر الكاريبي تتحرك المناورات العسكرية البحرية، وتحاول أن تهدد شعوب تلك المنطقة، أما في الشرق الأوسط فقد ازداد التآمر على قضية شعب فلسطين، من خلال المضيّ قُدمًا بمؤامرة كامب ديفيد، ومؤامرة الحكم الذاتي، وتشجيع العدوان الإسرائيلي ضد الشعبين اللبناني والفلسطيني في جنوب لبنان، بعد أن أمّنت للجيش الإسرائيلي التفوق العسكري. وفي نفس الوقت دفعت أمريكا بثلاثة أساطيل بحرية للمحاصرة، وتمكنت من إقامة قواعد عسكرية في أماكن عديدة في منطقة الشرق الأوسط والخليج والمحيط الهندي، هذه المنطقة مثل قاعدة دييغو غارسيا الذرية في المحيط الهندي، وبربرة ومصيرة في الصومال وعمان، وممباسا في كينيا، ورأس نباس وكيما في مصر، كما دفعت بما أسمته قوة التدخل السريع التي بدأت تتخذ مواقعها في عدة أماكن في عُمان والخليج. إنها أمثلة على اتجاه عام للإمبريالية الأمريكية، يتمثل بتصعيد سباق التسلح وتوتير الوضع الدولي، والعودة إلى سياسة شفير الهاوية والحرب الباردة، والتمادي في التآمر على الشعوب الصغيرة، وفي مقدمتها تآمرهم على شعب فلسطين.

 إن هذا الواقع يفرض على كل القوى الديمقراطية والتقدمية والقوى المحبة للسلم والتقدم في العالم، أن يقدروا بدقة مخاطر السياسات الإمبريالية الأمريكية على قضية السلم وتحرر الشعوب؛ فيتخذوا الخطوات الضرورية التي تسهم في فضح تلك السياسات أمام الرأي العام العالمي، وتشجيع نضالات الشعوب ضد سباق التسلح، وضد إقامة المزيد من قواعد الصواريخ النووية في أوروبا والعالم، وضد التوسع في نشر القواعد العسكرية وتسميم الجو الدولي بكل أشكال الاستفزازات والاستعراضات والتحشدات العسكرية.

أيها الرفاق،

إن الوضع في منطقة الشرق الأوسط يعطي صورة مركزة على سمات الوضع الدولي، حيث نشاهد هجمات إمبريالية أميركية شرسة لضرب الانتصارات التي حققتها شعوب المنطقة.  فقد نزلت بالإمبريالية الأميركية عدة ضربات قاسية، كان أهمها انتصار الثورة الإسلامية في إيران التي أطاحت بأكبر القواعد الإمبريالية في المنطقة، وفي نفس الوقت ازدادت العزلة على إسرائيل التي تعتبر القاعدة الاستعمارية الإمبريالية المتقدمة في المنطقة، خاصة أمام الانتصارات التي حققتها شعوب المنطقة في مواجهة كامب ديفيد، والانتصارات التي سجلتها الثورة الفلسطينية ضد هذه الهجمات الإمبريالية الصهيونية ومؤامرة الحكم الذاتي. هذا بالاضافة إلى المصاعب التي بدأت تواجهها مواقع نفوذه الاقتصادي الإمبريالي في هذه المنطقة.

ضمن هذه الظروف جاءت شراسة الهجمات الإمبريالية الأميركية، وقد مد لها نظام السادات يد العمالة بأبخس الأثمان، فكان اتفاق كامب ديفيد الخياني الذي ضرب عرض الحائط بالحقوق الثابتة لشعب فلسطين وبالمصالح العليا للأمة العربية، وخلق وضعًا خطيرًا في المنطقة بإخراج مصر مؤقتًا من ساحة المعركة، وكلكم تعلمون أهمية الثقل المصري في الصراع؛ مما ولّد حالة إرباك عربية، وزاد المخاطر والضغط على ثورة فلسطين وقضية فلسطين، وكان من نتائج ذلك ازدياد حملات الإبادة ضد الشعبين اللبناني والفلسطيني من قبل الجيش الاسرائيلي الذي يستخدم أحدث أسلحة الدمار والحرب الأميركية، وتصعيد حملاته العسكرية برًّا وبحرًا وجوًّا، بالاضافة إلى مؤامرة الحكم الذاتي المشبوه ضد شعبنا العربي الفلسطيني تحت الاحتلال، واستخدام أبشع وسائل الإرهاب الوحشي ضد أطفالنا ونسائنا وجماهيرنا، ضمن مخطط صهيوني فاشيّ رهيب، وصل إلى حد محاولة اغتيال القادة الوطنيين وطردهم، وحتى القيام بعمليات تصفية للأسرى والمعتقلين في سجونه وزنازينه. ////////////////////الا ان النضال البطولي الذي شنته جماهير الأرض المحتلة لاحباط مؤامرة الحكم الذاتي ووقف زحف اتفاقات كامب ديفيد، بجانب تصعيد الكفاح المسلح للثوار في الثورة الفلسطينية والقوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية، كانت من العوامل الاساسية في مقاومة المخطط الإمبريالي الصهيوني واحباطه مما اوصل كامب ديفيد إلى الطريق المسدود الذي وصلت اليه. أما على الجبهة الأخرى فقد قامت جبهة الصمود والتصدي لتلعب دورا هاما في مواجهة المؤامرة، وفي تصليب الموقف العربي العام في مواجهة كامب ديفيد ولكن ذلك كله كان مجرد بداية في عملية المواجهة لأن المؤامرة ما زالت مستمرة والقواعد العسكرية الأميركية اخذت تزداد والسادات ما زال موغلا في طريق تنفيذ السياسات الأميركية في المنطقة ولهذا فالصراع سيحتدم في الاشهر القادمة وسيرتفع الى درجات اخطر من ذي قبل على كافة المستويات. ولعلكم توافقونني أيها الرفـــاق، بأن اهم المؤشرات على هذا هو قرار الكنيست الاسرائيلي بضم مدينة القدس. وهو قرار خطير لأن هذا القرار هو بمثابة قنبلة متفجرة في المنطقة فالشعب الفلسطيني لن يسمح بذلك مهما قدم من تضحيات ومهما كانت النتائج، وكذلك الحال بالنسبة الى الامة العربية والشعوب الاسلامية وكل القوى المناضلة الخيرة في العالم. لهذا فان شعبنا الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه ويهوده يرى في قرار ضم القدس تحديا لوجوده وتاريخه وتراثه ومصيره ومقدساته. ان شعبنا يرى ان قرار ضم القدس هو النتيجة الطبيعية لسياسات كامب ديفيد التي تعتبر احدى جرائم الإمبريالية الأميركية ومن سار في ركابها في منطقتنا وبخاصة السادات. ان قرار ضم القدس ايها الرفاق، انما هو فرض حالة التوتر الدائم في المنطقة المصلحة الصهيونية والإمبريالية الأميركية، مما يؤكد كل يوم على ان الصهيونية والإمبريالية الأميركية تقاتل قتالا شرسا في هذه المنطقة مع الصهيونية العالمية باعتبارها احدى اهم مراحل الإمبريالية . ان شعوب العالم المناضلة من اجل السلام الدائم  والتقدم  تدرك أن ذلك السلام الدائم والعادل لا يمكن ان يتحقق الا بوحدة الانسان مع الحرية ويومها ستكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة الحرة والديمقراطية التقدمية.

ايها الرفاق ،

لقد أطلعتم ولا شك على تقرير منظمة العفو الدولية عن معاملة السجناء في اسرائيل، وهو التقرير الذي يعطي صورة مصغرة عن الجرائم التي ترتكب بحق الانسان الفلسطيني في الاراضي المحتلة وهي الجرائم التي تمتد من العقوبات الجماعية وهدم البيوت والتقتيل في اثناء الاعتقال او التعذيب وممارسة كل ألوان التعذيب الفاشية، الى مصادرة الاراضي وفرض الهجرة القسرية الى فرض التجهيل والتجويع والاهمال الصحي والحياة المعيشية التي لا تطاق الى سرقة التراث الفلسطيني والاعتداء على المقدسات والآثار.

ويجب ان تلاحظ هنا ايها الرفاق، ان المؤتمرات الدولية وكذلك هيئة الامم المتحدة قد اصدرت القرارات تلو القرارات التي تفضح هذه الاعتداءات الارهابية الصهيونية وتدينها وتدعو إلى وقفها فضلا عن القرارات التي تؤكد الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، ولكن العصبة العسكرية الاسرائيلية الحاكمة مستمرة في جرائمها ضاربة عرض الحائط بكل هذه القرارات الدولية والاجماع العالمي الأسرة الدولية. وليس أدل على ذلك من التصريح الخطير الذي ادلى به الجنرال ایتان رئيس الاركان الاسرائيلي الذي قال ان حربنا مع الفلسطينيين هي حرب بين طرفين لن تنتهي الا بنهاية أحدهما. هذه هـي العقلية الفاشية الارهابية العنصرية التي نواجهها ايها الرفاق في هذا الخندق الامامي الذي نقاتل فيه دفاعا عن كل ما هو حر وتقدمي وشريف في منطقتنا وفي العالم اجمع، فان المعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني هي جزء لا يتجزأ من المعركة العالمية التي تخوضها شعوب العالم ضد الإمبريالية وضد الاستعمار وضد الصهيونية والعنصرية من اجل غد افضل، غد لا استعمار فيه ولا عنصرية ولا فاشية ولا احتكارات ولا إمبريالية غد العدالة الاجتماعية والتقدم الاجتماعي.

المراجع:

الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1980، مؤسسة الدراسات الفلسطينيه، بيروت، 1981. ص،  332، 333، 334.

وكالة وفا،  بيروت، ٢٤ /٩  / 1980، ص ٦ – ١٢.