كلمة ياسر عرفات بمناسبة الاحتفال بيوم الأرض المجيد
كلمة ياسر عرفات بمناسبة الاحتفال بيوم الأرض المجيد
أيها المواطنون الفلسطينيون،
يا أبناء شعبنا الفلسطيني المرابط،
الأخوات والإخوة الأحباء،
يحتفل شعبنا الفلسطيني في هذا اليوم المجيد إحياء لذكرى شهداء فلسطين الذين سقطوا دفاعًا عن الأرض الفلسطينية، سطروا أسمى معاني البطولة والفداء، من أجل المحافظة على الهوية الوطنية الفلسطينية، وعلى التراث الحضاري والتاريخي للشعب الفلسطيني.
واليوم يجسد شعبنا الفلسطيني أكثر من أي وقت مضى، تمسكه بهويته الوطنية، وبأرضه ومقدساته، وحقوقه غير القابلة للتصرف، في مواجهة غول الاستيطان والتوسع في الأراضي الفلسطينية، وخاصة في القدس الشريف التي تتعرض لهجمة استيطانية منظمة، تستهدف تهويدها بالكامل، وذلك بعزلها تمامًا عن محيطها الفلسطيني، وطمس معالمها الحضارية الدينية والتاريخية، وشطب هويتها العربية والإسلامية.
إننا -أيتها الأخوات والإخوة- في مواجهتنا لسياسة الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية، ننطلق من موقفنا الثابت والملتزم بإقامة السلام العادل والمتكافئ، الذي يستند إلى قرارات الشرعية الدولية، والاتفاقات المبرمة، وحق شعبنا في تقرير مصيره على أرضه. ومن هنا، فإن مواصلة حكومة إسرائيل دعم وتمويل وتكثيف النشاطات الاستيطانية لا يشكل تهديدًا خطيرًا لعملية السلام فحسب، بل يتناقض مع روح السلام الذي نسعى لإقامته، ومع كافة العهود والمواثيق وقرارات الشرعية الدولية، حيث إنه لا سلام ولا امن ولا استقرار مع استمرار الاستيطان، ومصادرة الأراضي والممتلكات الفلسطينية.
وفي هذه الذكرى العظيمة ليوم الأرض الفلسطيني، فإننا نؤكد مجددًا على ثقتنا وإيماننا الراسخ بحقنا في أرضنا ومقدساتنا، وخاصة في القدس الشريف، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومهد السيد المسيح عليه السلام؛ فهي في ضميرنا ووجداننا، كما في ضمير ووجدان كل المؤمنين مسلمين ومسيحين، فلا سلام ولا أمن ولا استقرار في المنطقة دون عودة القدس الشريف القدس العربية لأصحابها الشرعيين، عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة.
إن شعبنا الفلسطيني واصل وما زال يواصل تصديه البطولي ومقاومته المشروعة لمخططات الاستيطان، ومصادرة الأراضي الفلسطينية، على مدار العقود الثمانية الماضية، هذه السياسة الاستيطانية التي لا تزال تستهدف اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه وطمس هويته الوطنية. ومهما كانت التحديات والصعاب التي تواجه مسيرتنا الوطنية في هذه المرحلة، فإن شعبنا الفلسطيني لن يقبل بتاتًا بهذه السياسة الاستيطانية العدوانية، سياسة فرض الإملاءات والأمر الواقع، سياسة الهيمنة المستمدة من لغة الاستعمار وغطرسة القوة.
إن الاستمرار في سياسة مصادرة الأراضي الفلسطينية والاستيطان فيها، يتسبب بشكل رئيسي وواضح في خلق أجواء التوتر والكراهية والعنف، باعتباره اعتداءً على حقوق الشعب الفلسطيني، مثلما هو اعتداء على قرارات الشرعية الدولية وإرادة المجتمع الدولي التي ترفض هذه السياسة، وتؤيد إقامة السلام العادل والدائم والشامل، القائم على مبدأ الأرض مقابل السلام، والمستند لحق الشعوب في مقاومة الاحتلال الأجنبي، وفي تقرير مصيرها على أرضها.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة،
يا أبناء شعبنا الفلسطيني،
إننا في هذا اليوم المجيد، يوم الأرض، نجدد العهد والقسم بمواصلة التصدي لسياسة التوسع الاستيطاني وفرض الأمر الواقع، القائمة على نهب ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وإفراغها من سكانها الفلسطينيين، هذه السياسة التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية الحالية، رغم إدانة واستنكار الرأي العام الدولي لها، ورغم المخاطر الكبيرة الناجمة عن مثل هذه السياسة، والمتمثلة في تفجير الأوضاع والعودة إلى دوامة العنف والدمار، إلى جانب تهديدها بنسف العملية السلمية برمتها، متنكرة بذلك للاتفاقات المبرمة مع الجانب الفلسطيني، ولكافة العهود والقرارات الدولية ذات الصلة.
وفي هذا اليوم العظيم، نجدد التزامنا بالعمل من أجل السلام القائم على العدل والمساواة، ونناشد كافة القوى المحبة للسلام والحرية والديمقراطية، بذل كل جهد ممكن من أجل إحباط وإفشال المخططات الاستيطانية التوسعية الإسرائيلية، ونخص في هذا المجال قوى السلام الإسرائيلية المؤيدة لاتفاق السلام، ولحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة، ونطالبها بالتحرك بقوة على كافة الصعد، من أجل إخراج عملية السلام من المأزق الخطير الذي آلت إليه، وإعادتها إلى مسارها الصحيح، حتى تتواصل هذه العملية على كافة المسارات؛ من أجل إقامة السلام العادل والدائم والشامل الذي يكفل الأمن والاستقرار للجميع، والذي يمهد الطريق للتعايش والتعاون الإقليمي.
إن دفاعنا عن الأرض هو دفاع عن السلام، ومن أجل السلام الذي اخترناه عن قناعة وإيمان، من أجل مستقبل أطفالنا وأطفالهم، وحتى نضع حدًّا لأعمال العنف والإرهاب والتطرف التي تحركها قرارات الحكومة الإسرائيلية وسياستها بمواصلة نهب ومصادرة الأراضي الفلسطينية، والتوسع الاستيطاني فيها، هذه السياسة التي تتنافى مع روح السلام الذي ننشده، والذي يحظى بدعم وتأييد كافة القوى المحبة للسلام والحرية والديمقراطية، هذا السلام الذي يجب أن يكفل للشعب الفلسطيني إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرضه ومقدساته، واستعادة حقوقه الوطنية الثابتة، وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.