كلمة ياسر عرفات في مؤتمر رجال الأعمال المغتربين عام 1997
كلمة ياسر عرفات في مؤتمر رجال الأعمال المغتربين عام 1997
الأخ رئيس المؤتمر،
الإخوة الأعضاء،
السيدات والسادة، الأصدقاء والضيوف الكرام،
تحية طيبة، وبعد،
أتوجه إليكم، وأنتم تعقدون "مؤتمر رجال الأعمال المغتربين" على أرض وطننا الحبيب، أرض فلسطين المباركة، ومن خلالكم إلى كل أهلنا وأحبتنا في الوطن والمهجر وأينما تواجدوا، بأصدق التحيات والتمنيات الأخوية، متمنيًا لمؤتمركم هذا كل النجاح والتوفيق في خدمة أبناء شعبكم، وخدمة نضاله العادل من أجل تحقيق أهدافه المشروعة في الحرية والاستقلال.
يأتي انعقاد هذا المؤتمر في ظل ظروف دقيقة، يمر بها شعبنا الفلسطيني، الذي يواصل مسيرة السلام ومسيرة الإعمار والبناء لوطنه ومؤسساته الحيوية، التي دمرها الاحتلال عبر سنواته الطوال. وإننا واثقون كل الثقة أن هذا المؤتمر سيسهم بشكل فعال في طرح المشاكل الاقتصادية، ووضع الحلول المناسبة لها، وإلى بلورة الأفكار الخلاقة، وتحديد الخطوات العملية لترجمتها على أرض الواقع، لتنمية وتطوير بناء الاقتصاد الوطني المستقل، بعيدا عن واقع التبعية للاقتصاد الإسرائيلي نتيجة تدميره للبنية والمؤسسات والشركات الفلسطينية، وضرب رأس المال الوطني؛ لتحويل وطننا وشعبنا إلى سوق للعمالة الرخيصة، وللبضائع الإسرائيلية.
إن الاقتصاد الوطني الفلسطيني، رغم كل محاولات التدمير التي تعرض لها من جراء الاحتلال الذي دمر بنيته التحتيه والفوقية، يمتلك المقومات الضرورية لإعادة البناء والنمو السريع، ألا وهي القوى البشرية والإرادة القوية، فالإنسان الفلسطيني الذي أثبت مقدرته عبر العصور على البناء والإبداع في مختلف دول العالم، قدرة على العطاء والتنظيم، والعمل الجاد إلى كل أبناء شعبنا وأينما تواجدوا إلى استثمار رأس المال الفلسطيني في تطوير اقتصادنا، وبناء وطننا؛ فالاستقلال الاقتصادي، والقضاء على التبعية هو القاعدة الصلبة لاستقلالنا الوطني.
إن الاعتماد على الذات هو الأساس المتين والقوي للاستقلال والسيادة، والتنمية الاقتصادية التي تقوم على كاهل أبناء شعبنا هي وحدها التي ستقود شعبنا إلى الاستقلال الحقيقي؛ ذلك أن المساعدات الدولية مع شكرنا لمانحيها لن تؤدي إلى بناء قاعدة اقتصادية وطنية، هذه حقيقة يجب أن يدركها ويعيها جميع أبناء شعبنا الفلسطيني، فالدول لا تبنيها إلا سواعد أبنائها، وبعرق جباههم، وبإبداع عقولهم الخلاقة.
إن هدفنا هو بناء اقتصاد وطني فلسطيني سليم ومعافى، يقوم على الاستقلالية، وليس مرتبطًا بالمساعدات، ولا مرتهنا بالمعونات، ونريد لشعبنا أن يعمل في مؤسساته ومصانعه، لا في مؤسسات ومصانع الغير. نريد لاقتصادنا أن يبتعد عن سياسة الإلحاق التي فرضها عليه الاحتلال عبر سنواته الطويلة، ولذلك من أجل هذا الوطن، ومن أجل فلسطيننا فإننا ندعوكم بقلوب صادقة، وندعو كل رجال الأعمال الفلسطينيين في شتى أماكن تواجدهم في الوطن والمهجر، إلى المزيد من التلاحم والتعاون، وبذل الغالي والرخيص في سبيل بناء الاقتصاد الفلسطيني المستقل، لبناء المعامل والمؤسسات والمصانع على أرض فلسطين بأيد فلسطينية، وبرأسمال فلسطيني. إن العقول الفلسطينية التي أبدعت في بناء العديد من المؤسسات المزدهرة في الدول العربية في العالم أجمع مدعوة اليوم إلى وطنها فلسطين لإعماره وبنائه.
إن الاستقرار الاقتصادي هو أساس الاستقرار السياسي، ونحن من جانبنا نبذل قصارى جهدنا، من أجل وضع الأسس السليمة للاستثمار، ولقد قامت السلطة الوطنية بسن قوانين اقتصادية للمستثمرين الفلسطينيين، وتسعى لتوفير أفضل الأجواء لعملهم بكل حرية، بعيدًا عن أي تدخل في مشاريعهم، رغم الظروف الصعبة والبالغة التعقيد، على الساحتين الدولية والإقليمية، خاصة فيما يتعلق بالتطورات الأخيرة لعملية السلام، هذا السلام الذي اختاره شعبنا كخيار إستراتيجي لا رجعة عنه؛ من أجل استعادة وممارسة حقوقه الوطنية الثابتة. وقد دخلت عملية السلام في مأزق خطير؛ من جراء السياسات العدوانية والمواقف المتعنتة للحكومة الإسرائيلية، التي ترفض احترام مرجعية عملية السلام، والمبادىء التي استندت إليها، وتصر على مواصلتها للنشاطات الاستيطانية، ببناء وتوسيع المستوطنات في كافة الأراضي الفلسطينية، وخاصة في القدس الشريف التي تتعرض لهجمة شرسة، بهدف تهويدها وتفريغها من أهلها.
هذا إلى جانب رفضها الكامل للتنفيذ الدقيق والأمين للاتفاقيات المبرمة، وفتح الممرات الآمنة والمطار والميناء، وإطلاق سراح المعتقلين، والتوقف فورًا عن كل السياسات والنشاطات الاستيطانية، وبالذات في القدس المحتلة عام 1967، وإنهاء سياسة الإملاءات، وفرض الأمر الواقع؛ حتى تعود عملية السلام إلى مسارها الصحيح؛ من أجل إقامة السلام العادل والدائم الذي يضمن للجميع الحق في الأمن والاستقرار، ولشعبنا حقوقه الثابتة في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.
إن معركة البناء والتنمية هي معركة الفلسطينيين جميعًا، وليست معركة السلطة الوطنية وحدها، ولا بد لشعبنا أن يعتمد على نفسه، ويبتني اقتصاده الوطني، ويرسي دعائم استقلاله السياسي، وذلك يتطلب منا جميعًا، حشد كل طاقاتنا وإمكاناتنا، وتعزيز وحدتنا الوطنية؛ حتى نتمكن من المضي قُدمًا في ترسيخ دعائم سلطتنا الوطنية واقتصادنا الوطني ومؤسساتنا الفتية، بعيدًا عن الهيمنة والتبعية.
أحييكم مرة أخرى وأثمن عاليًا جهودكم الخيرة والبناءة التي تبذلونها في سبيل دعم شعبكم في نضاله المشروع؛ من أجل استكمال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرضه ومقدساته، وتمكينه من استعادة وممارسة حقوقه الوطنية الثابتة، وبناء مؤسساته المستقلة، آملين أن تتوحد كل الجهود من أجل النهوض بوطننا، وبنائه على أسس عصرية خاصة، في هذه المرحلة المصيرية، وأدعو الله أن تتكلل أعمال هذا المؤتمر بالنجاح، وأن تتبلور من خلاله آفاق للتعاون والمشاركة، والتفاعل والاستثمار المشترك، حتى يتم خلق نقطة ارتكاز في فلسطين لكافة رجال الأعمال الفلسطينيين أينما تواجدوا؛ ليكون للجميع دور أساسي وفاعل في عملية التنمية الاقتصادية، ونحن واثقون كل الثقة من قدرة وخبرة وكفاءة شعبنا الذي ساهم في بناء كثير من الدول العربية وغيرها.
أجدد لكم التهنئة الحارة بانعقاد مؤتمركم هذا، متمنيًا لكم كل النجاح والتقدم.
والسلام عليكم.