الرئيسية » خطابات الرئيس الراحل ياسر عرفات »

خطاب الرئيس ياسرعرفات عبر الفيديو إلى القمة العربية الـ15 في البحرين

09 كانون الأول 2024

خطاب الرئيس ياسرعرفات عبر الفيديو إلى القمة العربية الـ15 في البحرين 2003

 

أصحاب العظمة الأخ الملك حمد بن عيسى آل خليفة،

فخامة الأخ الرئيس المبارك محمد حسني مبارك،

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسيادة،

أحييكم من فلسطين وطنكم وأرضكم المقدسة وأنتم تجتمعون في أرض الكنانة، مصر العزيزة، وأمتكم العربية، دولًا وشعوبًا، تقف أمام مفترق حاسم ومنعطف خطير، فالحرب الإسرائيلية المستمرة والمتصاعدة ضد شعبنا الفلسطيني الصامد قد بلغت ذروتها بإعادة احتلال أرضنا ومدننا المحررة، وإطلاق العنان للاستيطان السرطاني في كل أرضنا الفلسطينية، وفي المقدمة تهويد القدس الشريف وحائط برلين حولها، ومدينة خليل الرحمن، وبيت لحم، والمساس بمقدساتنا المسيحية والإسلامية فيها جميعًا، وتدمير البلدة القديمة التاريخية بنابلس، وما حدث في قطاع غزة والضفة ومدنها ومخيماتها وقراها، كما وإن حكومة إسرائيل المحرض الأول لهذه الحرب ضد العراق الشقيق، وتعتبر هذه الحرب حربها ضد الشعب الفلسطيني وضد سلطته الوطنية وكيانه واستقلاله، وضد الأمة العربية جمعاء، من المحيط إلى الخليج، وهذه الحكومة الإسرائيلية تضع اليوم اللمسات الأخيرة على سيناريوهات دورها وأهدافها في إطار هذه الحرب على العراق وشعبه الشقيق، ولا يخفى عليكم أن الأطماع التوسعية والاستيطانية لحكومة إسرائيل تجد اليوم في هذه الأوضاع فرصتها السانحة لمزيد من التصعيد العسكري الإجرامي والتخريبي والاستيطاني لتقويض السلطة الوطنية الفلسطينية، ومحاولة التهجير القسري (الترانسفير) لشعبنا بقوة السلاح والقتل والتدمير والحصار والعقاب الجماعي، ولفرض وجودهم العسكري المتنفذ في المنطقة كلها، كما أعلنوا ذلك بوقاحة رسميًا في إعلامهم للسيطرة على المنطقة العربية، إن هذه الحرب الإسرائيلية المستمرة والمتصاعدة ضد شعبنا الفلسطيني هي حرب عنصرية، وحرب استعمارية، وحرب إبادة وتطهير عرقي، في مواجهة انتفاضة شعبنا ومقاومته للاحتلال الإسرائيلي الغاشم لجماهيرنا وأرضنا، ولحماية مقدساتنا المسيحية والإسلامية.

صاحب العظمة الأخ حمد بن عيسى آل خليفة،

فخامة الأخ الرئيس المبارك محمد حسني مبارك،

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسيادة،

إن حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه وعن وجوده وعن مقدساته وعن مستقبله هو حق مقدس، تكفله له كل المواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان، وما تعرض ويتعرض له شعبنا الفلسطيني في تاريخ صموده بقوة وإيمان في الثلاثين شهر الماضية هو عدوان إسرائيلي سافر وشامل، هدفه الأول والأخير القضاء على حقنا المشروع في قيام دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وتشريد وتهجير شعبنا من أرض وطنه، أرض آبائه وأجداده؛ لإقامة دولة إسرائيل الكبرى التي تريد أن تفرض هيمنتها من النيل إلى الفرات. ومستعجلة الأحداث القادمة على المنطقة كلها، فالحرب التي تشنها حكومة إسرائيل وجيش احتلالها ضد شعبنا الفلسطيني إنما هي حرب استعمارية ضد الأمة العربية وضد مستقبلها وضد أمنها القومي، كما يعلن دعاة الحرب والتوسع والعدوان في إسرائيل، فأنتم تعلمون وأنتم خير من يعرف وكذلك دول العالم، وفي المقدمة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية والأمم المتحدة، أننا طرقنا كل الأبواب ووافقنا على سلام الشجعان الذي وقعناه مع شريكنا الراحل إسحق رابين الذي قتلته هذه القوى المتطرفة التي تحكم الآن في إسرائيل، ولقد وافقنا على كل المبادرات والتقارير الدولية من أجل وضع حدٍ لهذا العدوان الإسرائيلي الشامل ضد شعبنا الفلسطيني وضد سلطته الوطنية، ولكن حكومة إسرائيل رفضت كل المبادرات، ودمرت كل الاتفاقات، حتى الاتفاقات الأمنية التي كانت تصر عليها في الماضي كوسيلة ناجعة لحماية أمن الإسرائيليين ليس فقط داخل إسرائيل، بل أولئك المستوطنون الذين يسرقون أرضنا بقوة جيش الاحتلال ويقيمون فوقها المستوطنات، وقد وافقنا على هذه الاتفاقات والترتيبات الأمنية المؤقتة والدائمة في إطار العملية السياسية والمفاوضات والتي كان مفروضًا فيها التزام حكومة إسرائيل بمواصلة تنفيذ الاتفاقات المبرمة للانسحاب من أرضنا الفلسطينية المحتلة، إلاّ أن حكومة إسرائيل بدل السير في عملية السلام والانسحاب من أرضنا والاعتراف بحقوقنا الوطنية في الاستقلال والسيادة شرعت في حملة عسكرية تصعيدية غاشمة، استخدمت فيها كل الأسلحة، وحتى المحرمة دوليًا، لقتل شعبنا وتدمير بنيته التحتية، والمساس بمقدساتنا، ومنعنا من إجراء انتخاباتنا الرئاسية والتشريعية والبلدية، بجانب حملة استيطانية توسعية شاملة لم يسبق لها مثيل، ووظفت عملية السلام والمفاوضات والمبادرات الدولية والأموال التي تتدفق عليها من التبرعات الأجنبية لبناء المزيد من هذه المستوطنات، رافضة بكل غطرسة وصلافة تنفيذ الاتفاقات المبرمة وقرارات الشرعية الدولية. وقد بدأت حكومة إسرائيل هذه الحرب الظالمة والعنصرية ضد شعبنا الفلسطيني بالزيارة المشؤومة لشارون للمسجد الأقصى، وما تم أثناءها من المجزرة الظالمة للمصلين في المسجد (19 شهيدًا، وأكثر من مائة جريح) في عمل استفزازي مدبر ومقصود لمشاعر شعبنا وأمتنا العربية والأمة الإسلامية، وإن هذه المجزرة الوحشية ضد المصلين في المسجد الأقصى على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي إنما كانت بداية الاتفاق السري بين باراك وشارون لتدمير عملية السلام، ومؤامرتهم ضد شعبنا وأرضنا ومقدساتنا، والتي حاولت منعها عمليًا بلقاءٍ رسمي مع باراك في منزلـه، ولكنه لم يوافق. 

صاحب العظمة الأخ الملك حمد بن عيسى آل خليفة،

فخامة الأخ الرئيس المبارك محمد حسني مبارك،

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسيادة،

إن السلام وخيار السلام، وقبول قرارات الشرعية الدولية 242، 338، 425، 194، والتقدم بمبادرات للسلام فلسطينية وعربية ودولية، وتوقيع اتفاق أوسلو الانتقالي على أساس الاعتراف المتبادل بين حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، والجهود المكثفة للرئيس المبارك حسني مبارك التي تمت في القاهرة وشرم الشيخ والإسكندرية وطابا، إن هذا الموقف الفلسطيني والعربي إنما ينطلق من رؤية سياسية وإستراتيجية بأن السلام مع إسرائيل على أساس الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي الفلسطينية والعربية إلى خط الرابع من حزيران، وقيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين والإفراج الفوري عن أسرانا ومعتقلينا، إن هذا السلام وعلى هذه الأسس مع إسرائيل إنما يخدم أمتنا العربية ويلبي الحقوق الوطنية الفلسطينية الثابتة وغير القابلة للتصرف والمعترف بها دوليًا بقرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا السلام مع إسرائيل إنما يخدم كذلك إسرائيل وشعبها، ويوفر الأمن والاستقرار لكل دول وشعوب المنطقة، بما فيها دولة وشعب إسرائيل، وكان هذا الخيار الفلسطيني والعربي للسلام هو ما عبرت عنه مبادرة سمو ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبد العزيز، والتي أقرتها القمة العربية في بيروت؛ لتصبح مبادرة عربية شاملة للسلام والأمن بين دولة إسرائيل ودولة فلسطين والدول العربية الشقيقة، على أساس الانسحاب الكامل مقابل السلام الشامل، إلاّ أن حكومة إسرائيل الحالية رفضت مبادرة السلام العربية؛ لأنها لا تريد الانسحاب من أراضينا المحتلة الفلسطينية والعربية، وتصر على نهجها الاستيطاني والتوسعي، مدعومة بحماية قوى دولية في مجلس الأمن الدولي الذي يقف عاجزًا أمام هذه الحماية لإسرائيل، فلا يقوى على تنفيذ قراراته، ولا يقوى على فرض عقوبات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية على إسرائيل كما يقضي ميثاق الأمم المتحدة. إن حكومة إسرائيل تتحدى الشرعية الدولية، وتقف فوق القانون الدولي؛ لأنها تلقى الحماية الكاملة من قوى دولية، توفر لها كل أشكال الدعم المادي والسياسي والعسكري والدبلوماسي، وهذا وضع ليس خافيًا عليكم أو على الأسرة الدولية كلها.

صاحب العظمة الأخ الملك حمد بن عيسى آل خليفة،

فخامة الأخ الرئيس المبارك محمد حسني مبارك،

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسيادة،

ورغم هذه الحرب العدوانية الاستيطانية التي تشنها حكومة إسرائيل وجيش احتلالها المزود بأحدث الأسلحة الأمريكية وحتى المحرمة دوليًا، مثل الدبليتد يورانيوم والغازات السامة وغيرها، فإن شعبنا الفلسطيني لن يتخلى عن خيار السلام العادل بيننا وبين الإسرائيليين على أساس حل الدولتين، دولة إسرائيل ودولة فلسطين، ولن يتخلى كذلك عن أرضه ومقدساته، وعن حقه المشروع في الدفاع عن هذه الأراضي وهذه المقدسات، ومهما بلغت التضحيات والاضطهاد والاغتيال والتدمير الشامل لكل مقومات الحياة في أرضنا، فإن الشعب الفلسطيني لا يملك غير خيار الصمود والمثابرة والإيمان والتمسك بأرضه؛ لأن فلسطين هي وطن الشعب الفلسطيني الذي لا وطن له سوى هذا الوطن فلسطين، وما البطولات التاريخية النادرة التي يكتبها أبناء فلسطين بصمودهم وبدمائهم على أرض وطنهم فلسطين ضد الاحتلال والاستيطان إلا تأكيد يومي صارخ، وشهادة للعالم كله، بأن الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن وطنه وأرضه، ولن يركع، ولن يتخلى عن حقوقه الوطنية الثابتة أمام جبروت ووحشية آلة الحرب والدمار الإسرائيلية، فنحن في أرض الرباط المباركة، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومهد ورفعة سيدنا المسيح عليه السلام. ونحن فيها برباط إلى يوم الدين، نذود عنها وعن مقدساتها المسيحية والإسلامية، طبقًا للعهدة العمرية مع البطريرك سفرونس والخليفة عمر بن الخطاب.

إن شعبنا الفلسطيني يتطلع إليكم اليوم من أجل مواصلة نصرته، ومواصلة دعمه وإسناده ماديًا وسياسيًا ودبلوماسيًا؛ من أجل الظفر بحقوقه وبأرضه وبسيادته ودولته المستقلة، وشعبنا الفلسطيني لن ينسى أبدًا كل ما قدمته أمتنا العربية بدمائها وأرواحها وقدراتها ومواقفها القومية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية والمادية وغيرها، دولًا وشعوبًا من أجل شد أزره ودعمه، ومده بأسباب الصمود والمثابرة في وجه هذه الهجمة الاستعمارية الاسيتطانية التي تريد إعادة عجلة التاريخ وعقارب الساعة إلى الوراء خمسين عامًا أخرى، لتوقع على شعبنا نكبة ثانية لا تقل في فداحتها عن النكبة الكبرى في عام 48، والشعب الفلسطيني قال ويقول كلمته يوميًا في وجه هذه الهجمة الاستعمارية الاستيطانية الإسرائيلية، إنها كلمة الحق والعدل والصمود والتمسك بخيار السلام العادل والشرعية الدولية والعربية.

ومن هنا، يصمد شعبنا بانتفاضته هذه رغم الحصار الخانق، ورغم كل الجراح والآلام والعنف الغاشم والخسائر الفادحة بشريًا واقتصادياَ وزراعيًا ومائيًا وتدمير بنيتنا التحتية تدميرًا شاملًا وأكثر من 71 ألف شهيد وجريح، وحجز أموال ضرائبنا، وتجريف مزارعنا وهدم كثير من مدننا ومخيماتنا وقرانا، وتدمير مصانعنا، حتى وصل من هم تحت خط الفقر في غزة 75% وفي الضفة 54%، وبالرغم من ذلك سيظل شعبنا يدافع عن أرضه ومقدساته، كما أن شعبنا يتعامل بكل جدية وصدق -بالرغم من كل ذلك- مع الجهود والمبادرات الدولية والعربية لوقف العدوان والاحتلال والاستيطان الإسرائيلي لأرضنا، والجلوس على مائدة المفاوضات لتحقيق الأمن المشترك والسلام العادل بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، طبقًا للاتفاقيات وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.

وإن القمة العربية مدعوة لاتخاذ القرارات الحاسمة والتاريخية لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ولدرء خطر الحرب الوشيكة على العراق، من خلال الجهود العربية والدولية بمجلس الأمن والأمم المتحدة؛ لتجنيب الشرق الأوسط بل العالم برمته الاضطراب وفقدان الأمن وعدم الاستقرار، ولقطع الطريق على المخططات الجهنمية لحكومة إسرائيل ضد شعبنا وضد الأمة العربية كلها، ولحماية الأمن القومي العربي، بل والمصير العربي برمته، والسلام العالمي.

أحييكم من فلسطين، من الأرض المقدسة، ومن قلب الحصار المفروض علينا وعلى شعبنا الفلسطيني الصامد المرابط.

ومعًا وسويًا حتى القدس الشريف بعونه تعالى.

بسم الله الرحمن الرحيم " وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرةً " صدق الله العظيم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    1/3/2003.