خطاب للسيد ياسر عرفات حول التطورات الراهنة.
خطاب للسيد ياسر عرفات حول التطورات الراهنة.
بیروت، 13 / 6 / 1980
أيها الإخوة،
يسعدني أن أشارككم هذا الاجتماع جنبًا إلى جنب مع إخواني قادة الثورة الفلسطينية، ومع أخي رياض طه خصوصًا، في هذه الظروف الصعبة والمصيرية التي تمر بها أمتنا العربية والمنطقة العربية، هذه المنطقة التي تتكالب عليها قوى الاحتكارات الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لتؤكد هذا الدور البشع للاحتكارات الأمريكية التي تنشب أظافرها، وتريد أن تكمل ذلك في هذا الجسم وفي هذه المنطقة.
أيها الأخوة،
ما حدث في كامب ديفيد، وما بدأ يظهر من أبعاد كامب ديفيد، يؤکد بوضوح ما قلناه في الثورة الفلسطينية، وفي الصمود والتصدي، وما قاله کل الشرفاء والديمقراطيين في العالم؛ وهو أن كامب ديفيد لا يستهدف الثورة الفلسطينية ولا أمتنا العربية فحسب، وإنما يستهدف كل ما هو حر وشريف وتقدمي في هذا العالم.
إن هذه العربدة العسكرية الأمريكية التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المنطقة لیست مجرد عرض عضلات، وإنما في مؤامرة شاملة ومتشعبة، وكامب ديفيد هو إحدى صورها، وهو الوجه الذي ظهر لنا في هذه المؤامرة المتسعة والخطيرة التي تواجه منطقتنا. إن هناك قرارًا أمريكيا بتحويل ما اصطلح على تسميته بالحرب الباردة إلى حرب حقيقية، ليس في منطقتنا العربية فحسب، وإنما في العالم أجمع. ففي الوقت الذي ترسل فيه الولايات المتحدة الأسطول السابع الأمريكي والأسطول الخامس الأمريكي، إضافة إلى الأسطول السادس، وفي الوقت الذي تنشئ فيه فرقًا للتدخل السريع، وفي الوقت الذي تصر فيه على دفع صواريخ بيرشينغ وكروز إلى أوروبا فإننا نستطيع أن نستنتج على الفور بأن الولايات المتحدة الأمريكية تستهدف تهديد العالم أجمع، وإشعال الحروب فيه؛ لتأمين احتكاراتها، وللحفاظ على استغلال واستثمار ثروات عدد كبير من مناطق العالم.
هذه العملية ليست من قبيل الصدف، وليست لعرض العضلات فحسب، وإنما هي خطة معدّة مسبقًا، استطاعت أن تجد لها –للأسف- عميلًا مكشوفًا ومعروفًا هو السادات، وذلك بخلاف الوجوه الأخرى التي لم تظهر بعد، والتي ستظهرها الأيام والمؤامرة فيما بعد. يستطيع السادات أن يعطي قواعد عسكرية في سيناء، مدعيًا أنها قواعد لفك الارتباط بينه وبين إسرائيل، ولكن الأمر يتضح فيما بعد، ويتكشف عن حلف أمريكي إسرائيلي ساداتي، ولا أقول مصريًّا، لأنني أؤمن بأن ليل مصر لن يطول، وأن شعب عبد الناصر شعب مصر العظيم سيرد الصاع صاعين، وسيعود مرة أخرى ليقاتل في هذا الخندق الواحد ضد الإمبريالية والصهيونية والاستعمار.
أقول هذا الكلام بينما تتوارد أخبار ليست عادية عن أن أمريكا ومصر تجريان مناورات بحرية في الخليج، مما يؤكد أن هناك مؤامرة جديدة تحاك ضد إیران. وإنني من هنا أحذر إخواني في الثورة الإيرانية بأن مؤامرة جديدة قد بدأ تنفيذها ضدهم، خصوصًا وأن عملية لوط الأمريكية الفاشلة انطلقت من قاعدة كيما الأمريكية في صعيد مصر، وبهذا يتكشف الوجه البشع والخطر لهذه المناورات التي تشارك فيها قطع بحرية غربية في الخليج وبحر العرب والمحيط الهندي، يهدف غزو إيران والسيطرة على منابع النفط وإشعال فتائل الحرب العالمية الثالثة، خصوصًا ونحن نضع في حسابنا تلك الصواريخ من طراز بيرشينغ في أوروبا والتي تقف على أهبة الاستعداد، لتنفيذ العدوان الإمبريالي وإشعال فتائل الحرب.
أيها الأخوة،
ليس من قبيل الصدف هذه المحاولات المستمرة لإسكات الأصوات الحرة والشريفة في المنطقة، وكذلك قمع الحريات في هذه المنطقة، الذي يشكل جزءًا من المؤامرة الواسعة التي تتطلب إسكات كل الألسنة، وكمّ جميع الأفواه، ولكي تمر المؤامرة دون مقاومة ولا ضجيج.
أيها الأخوة،
إن الحديث المتصاعد عن التوطين هو من ضمن هذا المخطط، وأنا أقول لهم إن الذي يريد التوطين هو الذي يحارب الثورة الفلسطينية، وهو الذي يريد أن يسلب الفلسطيني بندقيته؛ كي يعود ذليلًا في المخيمات هنا وهناك. أما الذي لا يريد التوطين ويقف ضد كل الدعوات له، فهو الذي يحمي البندقية الفلسطينية، وهو الذي يناضل من أجل أن يعود الفلسطيني إلى أرضه ليرفع علم فلسطين فوق ربي القدس. إننا لا نرفض التوطين فحسب، وإنما نمارس ضده يوميًّا، من خلال نضالنا اليومي ضد العدو الصهيوني، وضد المؤامرة الأمريكية المتواصلة على شعبنا وعلى المنطقة. لقد خسرنا والحركة الوطنية اللبنانية ٢٧ ألف شهید، و ۷۰ ألف جريج أثناء الحرب، ولكن ما الذي حدث؟ لقد ازدادت الثورة صلابة واستمرارًا، وتمكنت من التصدي لكامب ديفيد، بحيث إن حلفاء أمريكا أنفسهم يعتبرون أن كامب ديفيد قد فشل.
إن حلفاء أمريكا الذين يجتمعون اليوم في البندقية يتصورون أنهم بحديثهم عن خلاف فرنسي دانماركي - هولندي إلخ يقدمون لنا بذلك عظمة يلهوننا بها، إنني أقول، من هذا المكان بأن الشعب الفلسطيني لا ينتظر ورقة أو بيانًا لتقرير مصيره والذي يقرر مصيره هو بندقية المقاتل الفلسطيني، وذلك الطفل الذي يحمل الحجارة في مواجهة جنود الاحتلال والشكعة المبتور الساقين، وكريم خلف المبتور الساق، والقواسمة وملحم والتميمي، المبعدون هؤلاء هم والحركة الوطنية اللبنانية والشرفاء والأحرار والأصدقاء التقدميون في هذا العالم هم الذين يقررون مصير الشعب الفلسطيني، وليس مؤتمر البندقية، وليست المبادرات الأوروبية، وليس كامب ديفيد أو البنتاغون.
المراجع:
الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1980، مؤسسة الدراسات الفلسطينيه، بيروت، 1981. ص، 196، 197.
وكالة وفا ، بيروت، 13 / 6 / 1980 ص ٢ – ٦.