كلمة ياسرعرفات في الدورة الثانية للمجلس التشريعي عام 1997
كلمة ياسرعرفات في الدورة الثانية للمجلس التشريعي عام 1997
بسم الله الرحمن الرحيم
"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"
صدق الله العظيم
الأخ رئيس المجلس
الأخوات والإخوة الأعضاء،
السيدات والسادة الضيوف الكرام،
باسم الله، وعلى بركة الله وبرعايته، وباسم الوطن والشعب الفلسطيني، وباسم القدس عاصمتنا المقدسة؛ نفتتح الدورة الثانية للمجلس التشريعي الفلسطيني للعام 1997، وبعد انقضاء عام كامل على الدورة الأولى لمجلسكم الموقر، والتي كانت بالفعل حافلة بالنشاطات واللقاءات والاتصالات، والعمل المتواصل، على الصعيد الداخلي والخارجي، فداخليا استطعنا في الدورة الأولى تكريس الحوار والنقاش الديمقراطي البنّاء الذي أسهم في تعزيز وترسيخ قواعد الديمقراطية الفلسطينية؛ مما أتاح الفرصة أمام كل أخ وأخت التعبير عن رأيه بحرية وصراحة، بما يخدم أهداف شعبنا الفلسطيني السامية، في الحرية والاستقلال، والسيادة الوطنية. وعلى الصعيد الخارجي تمكن المجلس من إقامة وتطوير العلاقات مع البرلمانات العربية والإسلامية الشقيقة والصديقة، من خلال إرسال الوفود وحضور اللقاءات والمؤتمرات البرلمانية، وهذا النشاط الخارجي ساهم في شرح أبعاد القضية الفلسطينية، من كل جوانبها، وبلورة رأي عام عربي وإسلامي ودولي داعم ومساند للشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية، في الجهود السلمية التي تبذلها من أجل تمكين شعبنا من إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض والمقدسات الفلسطينية، ومواصلة مسيرة الإعمار والبناء والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.
ويشرّفني بهذه المناسبة الهامة أن أهنّىء الشعب الفلسطيني وأهنّىء الإخوة أعضاء المجلس على نجاح أعمال المجلس هذه، رغم كل الظروف الصعبة والمعقدة التي مرّ بها شعبنا، ومر بها الوطن، وخاصة في تأكيد وجوده كمؤسسة تشريعية رائدة في حياتنا الفلسطينية، على أرض الوطن، مثلما تجسّد تواصلًا خلاقًا مع مؤسساتنا وعلى رأسها مجلسنا الوطني الفلسطيني الذي هو روح وقلب منظمة التحرير الفلسطينية.
إن الحديث عن الإنجازات التي تحققت خلال الدورة الأولى للمجلس، تبعث في نفوسنا الاعتزاز بما حققناه في هذا الوقت القصير جدًّا، رغم الظروف الصعبة والتحديات الكبيرة التي واجهناها وما زلنا، كما أن ذلك يعزز فينا الأمل والثقة بالمستقبل، وبقدرة شعبنا الفلسطيني من خلال أطره الشرعية، سواء التنفيذية أو التشريعية أو القضائية، على مواكبة عجلة التطور والتقدم التي يشهدها العالم والمنطقة، وكذلك التواصل والتفاعل مع المتغيرات الإقليمية والدولية بشكل بنّاء وإيجابي.
الأخ الرئيس،
الأخوات والإخوة،
بالرغم من انشغال مجلسكم الكريم في مناقشة التشريعات القانونية والأنظمة الداخلية والتي شارك فيها، إلى جانب أعضاء المجلس الموقرين، شريحة كبيرة من أبناء شعبنا، إلا أن هذا المجلس لم يتوانَ لحظة واحدة عن الاهتمام والمشاركة البناءة والمسؤولة، في كل مراحل وتطورات ومستجدات عملية السلام، وما رافقها من أحداث صعبة، وأحيانا أليمة، طالت كل نواحي الحياة عند شعبنا الفلسطيني، وبالتالي شكل المجلس سندًا حقيقيًّا للسلطة التنفيذية التي واجهت مفاوضات صعبة وشاقة، وتحديات وطنية كثيرة وكبيرة، ولا أغالي إذا قلت إنها تحديات مصيرية على مدار السنة الماضية، وكلي يقين لا يتزعزع بقدرة شعبنا على النهوض بأعباء هذه التحديات، وذلك من خلال المشاركة المزدوجة في تحمل المسؤولية الوطنية والقومية، بكل أبعادها، فكان التفاعل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بنّاءً ومسؤولًا.
الأخ الرئيس،
أيها الإخوة والأخوات،
كلكم تعرفون دقة وخطورة المرحلة المصيرية والصعبة، والتحديات الكبيرة التي ما زلنا نمر بها ونواجهها، وتتابعون عن كثب وإدراك كل مجرياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحياتية، وغيرها من القضايا التي تمس شعبنا، ومستقبل أجيالنا، ومستقبل الوطن. إلا أن ما يجري من مصاعب وتعقيدات يفرض علينا مواجهة السؤال الكبير: هل كان خيارنا السلمي الذي بدأناه في هذا الفصل الهام من مسيرتنا الوطنية الكبرى خيارًا سليمًا؟ وهذا سؤال يثور من داخلنا ومن حولنا، كلما تعرضت مسيرة السلام لأخطار، أو تراجعات، أو نكسات. وأجد نفسي بحاجة واضحة للإجابة الصريحة والمسؤولة عنه، أقول بثقة ويقين: لقد كان خيار السلام الذي أقره مجلسنا الوطني والتشريعي خيارًا سليمًا، اتخذناه بيقين منا بأن السلام العادل والشامل والدائم في المنطقة وعلى كل المسارات العربية الأخرى؛ هو الكفيل بتحقيق أهدافنا الوطنية، في ظل الظروف المحلية والدولية، وعلى قاعدة تحقيق حقوقنا الوطنية، غير القابلة للتصرف، بما فيها حقنا في العودة وتقرير المصير، وإقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وكما تعلمون، فقد أوفينا بالتزاماتنا الواردة في الاتفاقات المبرمة مع حكومة إسرائيل، وقمنا ببذل كل جهد ممكن من أجل المحافظة على الأمن والاستقرار، إلى جانب جهودنا لإعادة إعمار البنية التحتية التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي تدميرًا كاملًا، علمًا بأن إعادة الإعمار والبناء لمؤسساتنا الوطنية ومرافقنا الحيوية واجهت عقبات كبيرة، بسبب سياسة الإغلاق والحصار الإسرائيلي المتواصل؛ مما ألحق أفدح الخسائر بالاقتصاد الفلسطيني الناشئ، وضاعف من معاناة شعبنا.
وبالمقابل فقد عمدت الحكومة الإسرائيلية إلى استخدام أسلوب المماطلة والتسويف، والتهرب من تنفيذ التزاماتها الواردة في الاتفاقات المبرمة معها، وخاصة فيما يتعلق بالجدول الزمني لإعادة الانتشار ونقل الصلاحيات والمسؤوليات، وتحويل المستحقات المالية من الجمارك والضرائب للسلطة الوطنية الفلسطينية. وقد تميزت كافة مراحل المفاوضات التي جاءت لوضع آلية لتطبيق اتفاق إعلان المبادىء مع الجانب الإسرائيلي بالتعنت والتهرب، ووضع العراقيل والعقبات أمام التطبيق العملي للاتفاق، تارة تحت حجج أمنية، وتارة أخرى بأن المواعيد غير مقدسة، والخروج بتفسيرات للاتفاق تتناقض مع مرجعية عملية السلام، وقرارات الشرعية الدولية، وفي كل مرة وصلت فيها المفاوضات إلى الجمود كنا نحرص على مناشدة كافة القوى المعنية، من أشقّاء وأصدقاء، بتحقيق السلام، ببذل مساعيها وجهودها المخلصة من أجل الخروج من حالة الجمود والتردي؛ كي تتواصل مسيرة السلام الذي اختاره شعبنا عن قناعة وإيمان عميق، باعتباره خياره الإستراتيجي الذي لا رجعة عنه.
وقد تفاقم الوضع، وازدات الأمور تعقيدًا، بعد استلام الحكومة الجديدة للسلطة في إسرائيل، إثر الانتخابات الإسرائيلية التي جرت في منتصف العام الماضي، وخاصة أن هذه الحكومة الإسرائيلية جاءت ببرنامج انتخابي متطرف، لإرضاء الأحزاب الدينية المتطرفة والمعادية لعملية السلام ولحقوق الشعب الفلسطيني؛ مما زاد تعثر المفاوضات والجهود المبذولة من أجل دفع عملية السلام إلى الأمام على كافة المسارات. وعند استلام هذه الحكومة لمسؤولياتها الدستورية بدأت تتزايد وتيرة التصريحات الرسمية الإسرائيلية فيما يتعلق بدعم وتوسيع النشاطات الاستيطانية، وعدم الالتزام بما وقعت عليه الحكومات الإسرائيلية السابقة، وطرح تفسيرات جديدة لاتفاق أوسلو وما تلاه من اتفاقات مكمّلة، والخروج على مرجعية عملية السلام، وذلك بالاستعاضة عن "مبدأ الأرض مقابل السلام" بمقولة السلام مقابل السلام، والأمن مقابل السلام؛ مما شكل انتهاكا فاضحًا لمرجعية مؤتمر مدريد، ولقرارات الشرعية الدولية، والاتفاقات الموقعة.
وقد أدت هذه السياسة المتعنتة إلى تجميد المفاوضات على المسارين السوري واللبناني، وأسهمت في تأزم الوضع وزيادة حدة التوتر وتعثر المفاوضات بشكل خطير، على المسار الفلسطيني .
وكذلك واصلت هذه الحكومة انتهاكاتها واستفزازاتها وإجراءاتها التعسفية، وخاصة ما قامت به من حصار وإغلاق تام لمناطق السلطة الفلسطينية، وفرض طوق أمني عليها، بالإضافة إلى قيامها بانتهاج سياسية العقاب الجماعي، وفرض الأمر الواقع، من خلال مواصلتها لنشاطاتها الاستيطانية، ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وإقامة الطرق الالتفافية، ومنع الاستيراد والتصدير، من وإلى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، وأدت هذه الإجراءات والممارسات القمعية اليومية الإسرائيلية ضد شعبنا، إلى شحن النفوس وتأجيج المشاعر، ودفعت الأمور نحو نقطة الانفجار التي اندلعت شرارتها بسبب إقدام حكومة اسرائيل على اتخاذ قرارها بفتح النفق تحت السور الغربي للمسجد الأقصى المبارك؛ مما ولّد موجة كبيرة من الغضب والسخط، عمّت أرجاء الوطن لدى شعبنا الفلسطيني الذي خرج في مسيرات احتجاج سليمة، واستنكارات حاشدة ضد هذا القرار الإسرائيلي، الذي شكّل اعتداءً صارخًا على قبلة المسلمين الأولى، وعلى المقدسات الإسلامية والمسيحية.
وقد واجهت جماهير شعبنا الغاضبة هذا القرار الإسرائيلي المبيّت بكل شجاعة، وتصدّت ببسالة للقوات الإسرائيلية التي أطلقت نيران أسلحتها، بأوامر من الحكومة الإسرائيلية الحالية، على المدنيين الفلسطينيين؛ مما أدى إلى سقوط أكثر من ثمانين شهيدًا، وجرح ما يزيد عن ألف وخمسمائة مواطن، معظمهم من الأطفال والشباب العزل.
وبالرغم من النداءات الدولية واتخاذ مجلس الأمن الدولي للقرار 1073 القاضي بإغلاق هذا النفق، إلا أن حكومة إسرائيل لم تذعن لهذا القرار، ولكافة القرارات الدولية ذات الصلة بالقدس العربية المحتلة.
الأخ الرئيس،
الأخوات والإخوة الأعضاء،
تعلمون أنه بعد مفاوضات عسيرة وشاقة، احتاجت من حين إلى آخر، إلى جهود ووساطات الأشقاء والأصدقاء، توصلنا إلى توقيع البرتوكول الخاص بتنفيذ اتفاق الخليل الذي تم بموجبه إعادة انتشار القوات الإسرائيلية من مدينة الخليل؛ مما عزز الآمال، وخلق أجواء إيجابية، من شأنها المساعدة على تطبيق البنود العالقة في الاتفاق الانتقالي، وإعطاء دفعة كبيرة لاستئناف مفاوضات الوضع النهائي.
ولكن الآمال والأجواء الإيجابية التي تحققت، إثر توقيع بروتوكول الخليل، سرعان ما تبددت وتلاشت؛ بسبب قرار الحكومة الإسرائيلية المخطط له لمصادرة الأراضي لإقامة مستوطنات جديدة، وخاصة في القدس الشريف وحولها، بما فيها أبو غنيم، وإعلانها من جانب واحد عن قرارها بإعادة الانتشار من 2% من المنطقة (ج)، والذي كان بمثابة الخديعة والمؤامرة على مواصلة عملية السلام.
إن هذه القرارات الإسرائيلية الخطيرة، وخاصة قرار الاستيطان في جبل أبو غنيم، لا تمس عملية السلام فحسب، بل تمس كذلك وبشكل خاص وضع مدينة القدس العربية، التي لا تعني الفلسطينيين فحسب، بل تعني أيضا الأمة الرعبية والإسلامية، والمسيحيين في العالم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا القرار يشكل انتهاكًا فاضحًا لقرارات الأمم المتحدة، وخاصة المتعلقة منها بقضية القدس، كالقرار 252 والقرار 478، اللذين لا يجيزان ضم مدينة القدس العربية، وصولا إلى القرار الذي اتخذته بالإجماع الجمعية العامة بالأمس القريب، والذي يرفض قرار إسرائيل بالاستيطان في جبل أبو غنيم، ويدعو حكومتها إلى وقف كافة أنشطتها الاستيطانية التي تعتبر في مجملها محاولة إسرائيلية لتقرير مصير ومستقبل القدس قبل البدء في مفاوضات الوضع النهائي، والتي تشكل قضية القدس أهم وأبرز قضاياها الرئيسية.
إن الحكومة الإسرائيلية تسعى بكل الوسائل -وكلها غير مشروعة بالطبع- إلى تفريغ عملية السلام من محتواها، وسلب هذه العملية ومرجعياتها القانونية والدولية، ومحاولة طرح سياسة الإملاءات لقرارات تتخذ دون علمنا، مما لا يمكن القبول به، ولقد رفضنا المقايضات المطروحة، وكذلك مهزلة إعادة الانتشار من 2% من المنطقة (ج)، وأصررنا على عدم المس بمرجعيات السلام الموثقة والموقعة دوليًّا، وكذلك عبرنا عن إصرارنا على التنفيذ الدقيق والأمين لهذه الاتفاقيات المبرمة.
إن العالم كله يشاطرنا هذا الفهم، حين أدان السياسة الإسرائيلية بالإجماع، وكم كان بودّنا لو لم تستخدم أمريكيا حق الفيتو ضد هذا الإجماع الدولي، أو معارضة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، ونخص بالذكر الآن انعدام الثقة بالجانب الإسرائيلي، وخاصة من الطرف العربي الذي هو امتداد طبيعي للتأزم الحاد على المسار الفلسطيني، وهناك تنسيق دقيق وشامل مع الشقيقة مصر، ومع رئيسها فخامة الأخ الرئيس حسني مبارك، وكذلك مع الأردن وجلالة الملك حسين، والمؤتمر الإسلامي ولجنة القدس برئاسة جلالة الملك الحسن الثاني، وموقف دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية وجلالة الأخ الملك فهد، وكذلك موقف اليمن، وتونس ورئيسها فخامة الأخ زين العابدين، والجزائر، وبقية الدول العربية والإسلامية.
وفيما يتعلق بقضية القدس الشريف، على الحكومة الإسرائيلية أن تدرك أن هذه المسألة لا تقبل المساومة، وهي خط أحمر فلسطيني وعربي وإسلامي ومسيحي، إذ لا سلام ولا استقرار بدون عودة القدس الشريف عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، فالقدس هي في وجداننا وقلوبنا، وفي وجدان وضمير الأمتين العربية والإسلامية، وكافة المؤمنين مسيحيين ومسلمين.
كما أنه عليها أن تدرك تمامًا بأن الاستيطان كالإرهاب، لا يلتقي مع السلام العادل والمتكافئ، كما أن سياسة الإغلاق والحصار والعقاب الجماعي تتنافى كليًّا مع روح السلام الذي نشارك في صنعه كطرف أساسي وهام، كذلك فإن سياسة الإملاءات وفرض الأمر الواقع، وهدم البيوت وترحيل السكان، ومصادرة الهويات من أبناء شعبنا في القدس الشريف، لا تخدم بتاتًا الجهود المبذولة لإقامة جسور من الثقة المتبادلة والتفاهم والتعايش، والتي على أساسها سيتوطد ويقوم سلام الشجعان الذي نعمل من أجله في المنطقة.
الأخ الرئيس،
الأخوات والإخوة،
إن مجمل هذه التطورات والتعقيدات الخطيرة التي شهدتها المسيرة السلمية، دفعت بالقيادة الفلسطينية إلى الدعوة لعقد مؤتمر غزة الدولي لإنقاذ عملية السلام من الأزمة الحادة التي نشأت بسبب قرارات وإجراءات الحكومة الإسرائيلية الحالية.
وكان الغرض من عقد هذا المؤتمر هو وضع كافة الأطراف الموقعة والشاهدة على إبرام الاتفاق الانتقالي بتاريخ28/9/1995 أمام مسؤولياتها تجاه عملية السلام؛ لإخراج هذه العملية من المأزق الذي آلت إليه، ودفعها إلى الأمام، وقد جاءت هذه الخطوة الضرورية انسجامًا مع التزام الشعب الفلسطيني وقيادته الوطنية بإنجاح عملية السلام، على كافة المسارات التفاوضية؛ حتى يكون السلام عادلًا وشاملًا ودائمًا.
وشكّل حضور ومشاركة كافة الأطراف المعنية بالسلام دعمًا للموقف الفلسطيني العادل، وإشارة واضحة على التزام هذه الأطراف بحماية وإنقاذ عملية السلام من الانهيار، وذلك بإيجاد آليّة تضمن التطبيق الدقيق والأمين للاتفاقات الموقعة التي من شأنها ضمان عدم قيام أي طرف بإجراءات من جانب واحد، من شأنها استباق أو الإجحاف بقضايا الوضع النهائي.
ولكن -للأسف الشديد- لم تستجب حتى الآن الحكومة الإسرائيلية للنداء الصادر عن مؤتمر غزة والمناشدات والوساطات الدولية، ولم تلتزم بالقرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تواصل هذه الحكومة التاكيد على بدء البناء في جبل أبو غنيم حتى لو وقف العالم بأسره ضدها.
وبالفعل بدأت اليوم 18/3/1997 بتنفيذ قرارها. إن هذا الموقف الإسرائيلي المتعنّت يعكس مدى الغطرسة والاستهتار بإرادة المجتمع الدولي، وبقرارات الشرعية الدولية، وبالاتفاقات الموقعة.
إن استمرار هذا الموقف الإسرائيلي اللامسؤول، يهدد بتدمير ونسف عملية السلام برمّتها، ويهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، ويعيدها إلى دائرة العنف والدمار.
الأخ الرئيس،
أيتها الأخوات، أيها الإخوة،
في ظل الظروف الصعبة، ولمواجهة التحديات الكبيرة والمفروضة علينا؛ فإننا أحوج ما نكون إلى تعزيز وتمتين وحدتنا الوطنية المقدسة، عن طريق مواصلة وتعميق الحوار الوطني الذي بدأناه في مؤتمر نابلس، والذي شاركت فيه كافة الفصائل والقوى الوطنية، وسنواصل هذا التوجه، باعتبار وحدتنا الوطنية الضمانة الأكيدة لتحقيق أهدافنا الوطنية السامية، وللتغلب على كافة المعوقات والعراقيل التي تقف في طريقنا، والتي تتطلب منا جميعا بذل كل الجهود والتضحيات.
وبهذه المناسة، لا بد لنا أن نسجل بفخر واعتزاز التضحيات العظيمة التي قدمها شعبنا، على مدار تاريخه النضالي، والتي تجسدت بعودتنا وبإقامة سلطتنا الوطنية الفلسطينية على أرض الوطن، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
إننا -أيتها الأخوات والإخوة- نقف بخشوع وإجلال أمام قوافل الشهداء والجرحى، من أبناء شعبنا الفلسطيني الذين لولا تضحياتهم بأغلى ما يملكون ما كنا هنا لنجتمع في غزة؛ فلهم الرحمة والمجد والخلود، ولأبنائنا الجرحى الشفاء، وكذلك نتوجه بالتهنئة والتحية لأسرانا الذين تحرروا من قيود الأسر وزنازين الاحتلال، ونعاهد الأسرى الذين ما زالوا يقبعون في سجون الاحتلال، ببذل كل ما في وسعنا لإطلاق سراحهم، ولن يهدأ لنا بال إلا بعودتهم إلى أهلهم وذويهم، ليساهموا في مسيرة البناء لوطننا العزيز، فلهم جميعًا كل التحية والإكبار، على صمودهم وصبرهم وثباتهم.
الأخ الرئيس،
الأخوات والإخوة الأعضاء،
اسمحوا لي أن أتوجه من على هذا المنبر، ومن رحاب مجلسكم الموقر، باسم الشعب الفلسطيني وباسمكم، بالتحية والتقدير للموقف القومي الأصيل والشجاع لجمهورية مصر العربية الشقيقة، بقيادة أخي فخامة الرئيس محمد حسني مبارك، كما نتوجه بالشكر والتقدير للموقف الشجاع للأردن الشقيق، بقيادة أخي جلالة الملك حسين.
كذلك نتوجه بالتقدير العميق لدول الاتحاد الأوروبي الصديقة، على موقفها الداعم والمؤيد لجهودنا من أجل مواصلة مسيرة السلام، وعلى المساعدات القيمة التي تقدمها لمساعدتنا في عملية إعادة الإعمار والبناء والتنمية.
كما ننوه باهتمام وحرص الإدارة الأمريكية، وخاصة بالجهود المخلصة لفخامة السيد الرئيس كيلنتون الذي يولي اهتمامًا كبيرًا وحرصًا صادقًا على إنجاح وتقدم عملية السلام، وكذلك تقديرنا للراعي الروسي لعملية السلام فخامة الرئيس يلتسين، وكذلك لا بد لنا من توجيه الشكر والتقدير لحكومة وشعب اليابان الصديق، على موقفهم الداعم لنا سياسيًّا واقتصاديًّا، وكذلك إلى الصين وموقفها الداعم لنا ولحقوقنا، وكذلك إلى دول عدم الانحياز، لمواقفها مع الحقوق الوطنية لشعبنا الفلسطيني.
ونتوجه كذلك بالشكر الجزيل للنرويج حكومةً وشعبًا، على جهودها المتواصلة لدفع عملية السلام إلى الأمام، وعلى دعمها وتأييدها لنا ولسلطتنا الوطنية الفلسطينية.
كل الشكر والتقدير أيضا للدول الشقيقة والصديقة التي تقف معنا وبثبات، وخاصة في هذه المرحلة الدقيقة لتعزيز الموقف الفلسطيني، في مواجهة كل التحديات والمخاطر التي تهدد عملية السلام العادل والشامل والدائم الذي نتمسك به وندافع عنه بقوة.
الأخ الرئيس،
أيتها الأخوات والإخوة،
ندرك جميعا أن التحديات الراهنة والمستقبلية كبيرة، ونعي جيدًا حجم المخاطر والصعاب التي تواجه شعبنا الفلسطيني، وبأن الطريق لا يزال طويلًا؛ مما يفرض على مجلسكم الموقر مسؤوليات جسام، ومهام كبيرة، تتطلب منكم حشد الطاقات والاستنفار لمواجهة هذه التحديات والعقبات، بروح من المسؤولية الوطنية، ومواصلة التضحية والبذل والعطاء الذي عهدناه فيكم جميعًا.
كما أن المرحلة تفرض عليكم القيام بدور أساسي وفاعل لتأطير الحوار الوطني وتعميقه وزيادته، وصولا إلى تحقيق أهدافنا السامية في المحافظة على وحدتنا الوطنية المقدسة، وتحقيق التطلعات المشروعة لشعبنا الفلسطيني في الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية.
فالعهد هو العهد والقسم هو القسم، ولنواصل معًا وسويًّا العمل من أجل إقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف التي سنصلي فيها جميعًا بعونه تعالى، والتي نأمل أن ينعقد مجلسكم الموقر في ربوعها في دورته القادمة.
"وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة"
"ولينصرن الله من ينصره"
صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.