الرئيسية » خطابات الرئيس الراحل ياسر عرفات »

كلمة ياسر عرفات في الدورة الثالثة والأربعين لمنظمات حلف الأطلسي غير الحكومية في بلغاريا

18 كانون الأول 2024

كلمة ياسر عرفات في الدورة الثالثة والأربعين لمنظمات حلف الأطلسي غير الحكومية في بلغاريا

 

 

فخامة السيد الرئيس بيتر ستويانوف،

السيد سولومون باسي،

رئيس نادي الأطلسي البلغاري،

نائب رئيس جمعية معاهدة الأطلسي،

أصحاب المعالي والسعادة،

الحضور الكرام، أيها السيدات والسادة،

تحية طيبة، وبعد،

إنه لمن دواعي سعادتنا وبهجتنا أن نكون بينكم، وأنتم تلتقون في اجتماعكم الثالث والأربعين للجمعية العمومية لمنظامت حلف الأطلسي غير الحكومية، كما يطيب لنا أيضا أن نتقدم إليكم باسم الشعب الفلسطيني، وباسم منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية، وباسمي شخصيًّا، بجزيل الشكر المقرون بعميق التقدير على دعوتكم الكريمة لنا لحضور هذا المؤتمر الهام.

إن انعقاد جمعيتكم العمومية يأتي في وقت تمر فيه منطقتنا، منطقة الشرق الأوسط بظروف خطيرة ودقيقة، بعد أن كانت قد خطت خطوات ملحوظة، نحو التفاؤل والانفراج، إثر توقيع اتفاق أوسلو وما تلاه من اتفاقيات، على طريق صنع السلام. إن عملية السلام قد وصلت إلى طريق مسدود؛ بسبب السياسات الاستيطانية والإجراءات العقابية الجماعية التي تتبعها الحكومة الإسرائيلية ضد شعبنا وأراضينا الفلسطينية، والمتمثلة في الإغلاق والحصار الاقتصادي، ومنع العمال من التوجه إلى أماكن عملهم؛ مما رفع نسبة البطالة إلى أكثر من 70% من مجموع القوى العاملة في وطننا، وكذلك منع تصدير منتوجاتنا إلى الخارج؛ الأمر الذي يلحق بالاقتصاد الفلسطيني خسارة يومية تزيد على تسعة(9) ملايين دولار.

إن الحكومة الإسرائيلية تفرض الإغلاق الكامل على قطاع غزة والضفة الغربية، وتمنع حرية الحركة والتنقل بينهما، وتعزل المدن والقرى الفلسطينية عن بعضها البعض، وتقيم الحواجز العسكرية الإسرائيلية في كافة المناطق، للتنكيل بالمواطنين الفلسطينيين، كما تمنع وصول المواد الغذائية والتموينية والطبية والدوائية إلى شعبنا؛ بهدف تركيعه وإذلاله، يضاف إلى ذلك ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي من مداهمات وعمليات خطف واعتقال وقتل للمواطنين الفلسطينيين، مطلقة العنان لجنودها من المستعربين ومستوطنيها لممارسة كافة أشكال العنف والإرهاب ضد أبناء شعبنا.

إن الحكومة الإسرائيلية الحالية تواصل سياسة هدم البيوت، لإجبار سكانها على مغادرة مدنهم وقراهم؛ لإفساح المجال أمام الوحش الاستيطاني.

إن عشرة آلاف فلسطيني يعيشون الآن بلا مأوى، وقد تحوّلوا إلى لاجئين في وطنهم كما تعلمون، ففي سنة 1997 وحدها هدمت الحكومة الإسرائيلية 110 منازل، وألقت بالأُسر والنساء والأطفال في العراء، لمصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية، ولتوسيع وبناء المستوطنات الإسرائيلية عليها، بعد أن أصبح الاستيطان في الضفة الغربية وغزة والقدس الشريف ديدن الحكومة الإسرائيلية، وفقًا لمخطط وهجمة استيطانية شرسة ومبرمجة، ترمي من خلالها إلى إحكام السيطرة على مدينة القدس الشريف، وتشريد سكانها الفلسطينيين الأصليين وتهجيرهم، من خلال التضيق عليهم في لقمة عيشهم، وحرية حركتهم، وبمصادرة هوياتهم والاستيلاء على ممتلكاتهم، وفرض ضرائب باهظة، ليس في مقدورهم أداؤها، وفرض سياسة الأمر الواقع والإملاءات المجحفة؛ لرسم وتحديد خريطة الوضع النهائي للمدينة من جانب واحد، غير عابئة بكافة القرارات الدولية التي رفضت العبث الإسرائيلي بمدينة القدس الشريف لطمس هويتها الفلسطينية والمسيحية والإسلامية، وبتاريخها وميراثها الحضاري والروحي والديني الفلسطيني والعربي والإسلامي والمسيحي، كذلك لخنق وحصار مدينة بيت لحم، وإنشاء مدينة منافسة وبديلة لها في جبل أبو غنيم في احتفالات الألفية الثانية لميلاد سيدنا المسيح عليه السلام.

إن الحكومة الإسرائيلية ماضية في مخططاتها الاستيطانية في كافة الأراضي الفلسطينية، متنكرة ومتهربة من الالتزام بالاتفاقات المبرمة، رافضة لكافة الاستحقاقات المترتبة عليها في اتفاق أوسلو الأول والثاني والموقع في البيت الأبيض، بحضور الرئيس كيلنتون والوزراء الأوروبيين والعرب واليابان.

هذا الى جانب العديد من الخروقات والاستحقاقات الأخرى.

إن الحكومة الإسرائيلية ترفض تنفيذ الاتفاقات المرعية والموقعة والمصادق عليها، كما تضرب عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية وشرعة حقوق الإنسان، واتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب. والسؤال الكبير والخطير هنا: إلى متى ستظل الحكومة الإسرائيلية ترفض قرارات الشرعية الدولية؟ وإلى متى يقبل المجتمع الدولي أن يظل الشرق الأوسط بؤرة للتوتر وعدم الاستقرار والعنف، بسبب تنكر إسرائيل للمواثيق والقرارات الدولية، وللحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني؟!

إن موقفنا من الإرهاب واضح لا لبس فيه، وأعلنا مرارًا وتكرارًا أننا ضد الإرهاب أيا كانت صورته، وأيا كان مصدره، وأن السلطة الوطنية الفلسطينية بذلت وتبذل جهودها 100% مائة بالمائة، من أجل تحقيق الأمن والاستقرار، وأن شعبنا الفلسطيني كان وما زال ضحية الإرهاب الإسرائيلي، فماذا يسمى في العرف الدولي العنف الذي يقترفه المستوطنون ووحدات المستعربين في الجيش الإسرائيلي، والذين يمارسون لوثاتهم العنصرية دون أدنى اعتبار لحياة مواطنينا، ودون أي احترام للكرامة الإنسانية؟ إن الأعمال الإجرامية التي ارتكبها المستوطنون وجنود من الجيش ضد الشيوخ والنساء والشباب والأطفال يندى له جبين الإنسانية، وإن هؤلاء المجرمين لم ينالوا عقابهم، وإن حوكموا فقد كانت المحاكمات صورية والأحكام هزيلة، ونحن حينما نورد هذا فإنما  نرمي من خلاله إلى لفت الأنظار وتسليط الضوء، إننا نطالب بالسلام والأمن للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، وإنه فقط بالحوار الهادف والبناء، ومن خلال التنفيذ الدقيق والأمين من قبل الحكومة الإسرائيلية لكافة استحقاقات عملية السلام المترتبة عليها، واحترام الاتفاقات المعقودة بيننا، ويمكن مقاومة الإرهاب والعنف الذي لا يقتصر على طرف دون آخر، ويكفي أن تعلموا أن إرهابيا إسرائيليا اغتال شريكي في عملية السلام المرحوم إسحق رابين، لأنه اختار طريق السلام والمصالحة بديلا للعنف والاحتلال، وهو الذي قال: إلى متى سنظل نحكم شعبًا بقوة السلاح؟!

وبالرغم من المأساة التي يعيشها شعبنا، في ظل الاحتلال كما في ظل السلام، سنبقى نتمسك بالسلام كخيار إستراتيجي ثابت لا رجعة عنه لنيل واستعادة حقوق شعبنا الفلسطيني، واستقلاله وسيادته على أرضه ومقدساته، ونهيب بكم جميعًا عمل جل ما بوسعكم لحث الحكومة الإسرائيلية على الالتزام بعملية السلام ومرجعيتها واستحقاقاتها، والمبدأ الذي انطلقت على أساسه، ألا وهو: الأرض مقابل السلام والاحترام الكامل لقرارات الشرعية الدولية وشرعة حقوق الإنسان وكافة المواثيق والاعراف الدولية؛ حتى يتسنى لنا البدء في مفاوضات الوضع النهائي، لإرساء القواعد الراسخة لعملية السلام ولمصير التعاون والتعايش بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، في إطار السلام الشامل والدائم القائم على أساس من الثقة والاحترام المتبادلين، وليس على غطرسة القوة والجبروت، وفرض الأمر الواقع والإملاءات المجحفة.

وإن اتحاد المنظات الأطلسية غير الحكومية يستطيع، بما له وللمنظامت المنضوية تحت لوائه من مكانة ووزن على المستويين الإقليمي والدولي، الإسهام في تحقيق السلام في منطقتنا، منطقة الشرق الأوسط، هذه المنطقة التي تتمتع بأهمية جيو سياسية ومكانة حيوية، وتأثير على الأمن والسلام العالميين، وإن منطقة الشرق الأوسط لن تعرف الأمن والسلام والاستقرار ما لم يتم احقاق الحقوق الوطنية والمشروعة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني في الحرية والعودة وتقرير المصير، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

ونحن إذ نتمنى لمؤتمركم النجاح في أعماله، والخروج بالنتائج التي تتطلعون إليها، لنؤكد لكم مرة اخرى بأن السلام سلام الشجعان هو ما نسعى إليه، من أجل الأجيال القادمة  في منطقتنا والعالم، وهو -لا ريب، كما أكدنا ذلك مرارًا وتكرارًا- خيارنا الإستراتيجي الثابت الذي لا نكوص ولا تراجع عنه، ولا تردد لدينا في صنعه وإقامته كشركاء كاملين، وعلى قدم المساواة تمامًا.

واسمحوا لي أن أتقدم باسمنا جميعا بجزيل الشكر وعميق التقدير، لفخامة السيد الرئيس بيتر ستويانوف؛ على رعايته الكريمة لهذا المؤتمر القيم، كما نتوجه بكبير الاحترام والتقدير إلى السيد سولومون باسي رئيس النادي الأطلسي في بلغاريا، ونائب الرئيس لجمعية معاهدة الأطلسي؛ على الجهود التي بذلها من أجل التئام هذا المؤتمر الذي أتاح لنا تبادل وجهات النظر والآراء، ومناقشة قضايا في غاية الأهمية والخطورة، تمس صلب الأمن والسلام العالميين. وإن هذا التنظيم الرائع، وما رافقه من جهد وحشد لكل الطاقات، في سبيل انعقاد هذا المؤتمر، من خلال دعوة هذا العدد الكبير من الشخصيات المرموقة، لحضوره والمشاركة فيه؛ لَيُعدّ إنجازا يُنظر إليه بكل التقدير، مما أضفى على مؤتمرنا أهمية خاصة، وزاد نقاشاته ثراء واتساعا وشمولا وتعددية.

فبوركتم أيها الأصدقاء، وبوركت جهودكم الخيرة والمثمرة، وإننا لن ننسى أن نتوجه بجزيل الشكر وعظيم التقدير، إلى كافة الذين عملوا في سكرتاريا هذا المؤتمر، وكرسوا غاية جهدهم ووقتهم في سبيل انعقاده ونجاح جلساته.

وفي الختام تفضلوا بقبول أسمى معاني المودة والاحترام، المقرونة بأصدق أمنياتنا لكم جميعا بالصحة والسعادة والتوفيق، ولجمهورية بلغاريا وشعبها الصديق باضطراد الرخاء والرفاه، ودوام التقدم والازدهار.